يكاد المتابع للساحة الثقافية و «الفنية» في البحرين يصاب بهذيان وهلوسة أشبه بالهستيريا؛ لفرط ما يشهد من ثراء وعطاء البحرينيين للثقافة بمختلف فروعها وللفنون بتعدد أهوائها.
لا نهاية لعطاء هذه الساحة، وكم الإبداعات فيها يبدو كسيل منهمر لا توقف له، وجوه أبطاله لا تتكرر كثيرا، فالقائمة تطول ولا حصر لها. نفاجأ بهم بين الحين والآخر وهم يعرضون أمام أعيننا أفضل ما تسمح به قدراتهم وطاقاتهم من إبداعات فنية ومسرحية وأدبية وغير ذلك كثير من قائمة لا نهاية لها.
آخر المفاجآت جاءت على يد الكاتب إبراهيم سند، الذي قدم أخيرا مسرحية للأطفال تحت عنوان «الطيور الزرقة»، وبعيدا عن الخوض في تفاصيل العمل وجمالياته وقدرات جميع العاملين فيه وهي التي تنبئ بخير، إلا أننا هنا أمام طاقة حقيقية أنتجت عملا قصصيا موجها إلى الأطفال، ثم تمكنت من تحويله إلى عمل فني استقطب انتباه الصغار، وتمكن من إيصال رسالة تربوية واضحة، لامست قلوبهم بفضل خفة ظل النص وتمكن الممثلين من تأديته على الوجه الصحيح.
أتساءل: أين الجهات المسئولة من مثل هذه الأعمال؟ هل اكتفت وزارة الإعلام - ممثلة في هيئة الإذاعة والتلفزيون - بتصوير العمل ثم بث ثوانٍ معدودةٍ منه عبر برنامج «باب البحرين»؟ ثم أين كان إبراهيم سند كاتب العمل مسبقا؟ هل قفز فجأة من الفراغ؟ أليس هو من فاز قبل أعوام قليلة بالمركز الأول في مسابقة قصة الأطفال التي أقامتها المؤسسة العامة للشباب الرياضي؟ لماذا لم نسمع عنه المزيد؟ لماذا لم تحتضن الدولة إبداعه؟ ثم هل سيحصل عمله، وكاتبه، على الدعم والاهتمام الرسميين المطلوبين وهو ما يمكن اعتباره عملا كفيلا بأن يؤسس مسرح طفل «راقيا»؟ نحن بأمس الحاجة إليه اليوم!
بعيدا عن المسرح، أبهرتنا «فضائية دبي» عبر برنامجها «زي النجوم» بوجه بحريني آخر، أتساءل: لمَ كان مغيبا طوال الفترة الماضية؟ نجمة عبدالله ذات القدرات الغنائية العالية، التي لم نسمع الكثير عنها مسبقا وما ظن أحد أنها على مستوى عالٍ كالذي ظهر من خلال «زي النجوم». فعلا، أين كانت نجمة قبلها؟ ولماذا لم يسمع عنها سوى عبر أخبار تنشر بين الحين والآخر، على استحياء، في ملحق فني هنا أو هناك؟
ولا ينتهي المطاف عند سند ونجمة، بل يمكن القول إن موسم تفجر الطاقات والإبداعات البحرينية قد بدأ مع بدء موسم عاشوراء، فنحن الآن على موعد مع مفاجآت من نوع آخر، أبطالها كم كبير من الطاقات الشبابية، التي تخرج من عمق أحياء مدن وقرى البحرين، لتبرز عبر أعمال مسرحية مجسدة لملحمة كربلاء تجسدها عبر فرق تمثيلية متواضعة، من العروج «السنابسية»، إلى نادي بوري انتهاء بالمسرحية التي تتبناها جمعية التوعية الإسلامية سنويا وتقدم بمشاركة نخبة من الشباب.
ومن المسرح إلى التشابيه الحسينية التي تمثل هي الأخرى صورة فنية لا تقل أهمية عن تلك المقدمة عبر المسرح، التي تبرز فيها أسماء ووجوه وقدرات واعدة! ثم إلى المرسم الفني، وكثير من المشروعات الفنية الثقافية التي تعد فرصا تُبرِز قدرات أبناء البحرين، بمختلف طوائفهم، في هذا الموسم.
السؤال المهم الذي يظل يطرح نفسه باستمرار: أين الجهات الرسمية من كل ذلك؟ لماذا لا يُحتَضَن إبراهيم سند، كما احتُضِن غيره، كما مُوِّلت مشروعات سابقة لم تكن ربما بمستوى مشروع سند؟ لماذا تكون «فضائية دبي» هي التي تبرز نجمة، كما أبرزت المذيعة المتألقة بروين حبيب مسبقا؟ لماذا لا يحتفي تلفزيون البحرين - على أقل تقدير - بنجمة كما يفعل مع سواها؟ لماذا مثلا لا تصل أخبارها باستمرار إلى محرري الصفحات الفنية كما هي الحال مع آخرين وأخريات لا يملكون نصف قدرات نجمة؟ لماذا لا تُوَثق الأعمال المسرحية العاشورائية، وتُعرَض على القنوات التلفزيونية، وخصوصا الأعمال ذات المستوى الجيد منها؟ ولا ننسى أن الإمام الحسين (ع) مدرسة إنسانية خالدة، وليس حصرا على طائفة أو دين معين!
منصورة عبدالامير
العدد 1602 - الأربعاء 24 يناير 2007م الموافق 05 محرم 1428هـ