العدد 1601 - الثلثاء 23 يناير 2007م الموافق 04 محرم 1428هـ

جون وارث راية أبي ذر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إذا كان الإسلام هو الشجرة، فإن كربلاء هي الثمرة. حقيقةٌ قرّرها النبي (ص) بقوله: «حسينٌ مني وأنا من حسين... أحبّ الله من أحبّ حسينا». وكما كان للنبي أصحابٌ وحواريون حملوا معه عبء الرسالة العالمية، في كوكبةٍ من أعراق وأمم شتى، فقد كان للحسين أصحابٌ وحواريون وكوكبةٌ أمميةٌ أخرى، حملت معه همّ الإصلاح وتصحيح الانحرافات التي لحقت بمسيرة الأمة، وفي مقدمة هؤلاء يلتمع اسم جون مولى أبي ذر (رض). اسمه جون بن حوي، كان عبدا في ذلك النظام الجاهلي الذي يقسّم الناس إلى سادةٍ وعبيد. اشتراه عليٌ (ع) ووهبه إلى صديقه أبي ذر الغفاري، فظلّ معه يلازمه، حتى موعد نفيه إلى صحراء الربذة. فلمّا توفّي الصحابي أبو ذر رجع إلى المدينة، والتحق بعلي، ومن بعده الحسن ثم الحسين. لما خرج الحسين (ع) إلى العراق، خرج جون معه، حتى حوصرت القافلة، وفُرض عليها النزول في صحراء كربلاء. وهكذا أخذت تشتد حلقات الحصار حتى مُنع الماء في الأيام الأخيرة عن المحاصَرين، وعلا صراخ الأطفال طلبا للماء. وأنت تبحث اليوم عن مبرّرٍ أخلاقي أو عسكري لهذا المسلك فلا تجد غير همجية الأعراب المتوحّشين، الذين لم تهذّبهم الحضارة ولم تتسرّب إلى نفوسهم أخلاق الدين الحنيف. في ليلة عاشوراء، اجتمع الإمام بأصحابه وخطبهم قائلا: «إني لا أعلم أصحابا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا خيرا. ألا وإني أظن أن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا. وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا... ليس عليكم مني ذِمام»، كما في تاريخ الطبري، فأجابه الجميع بالرفض. في صبيحة العاشر من المحرم، وقف جون أمام الحسين يستأذنه للقتال، فقال له: «يا جون... إنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتلِ بطريقنا». فوقع على قدمي الإمام يقبّلهما ويقول: «أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم؟ والله إن ريحي لنتن، وإن حَسَبي للئيم، وإن لوني لأسود، فتنفّس عليّ بالجنة فتطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيّض وجهي، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم»، فأذن له الإمام بالخروج للقتال.

تقول كتب السيرة إن جون نزل إلى أرض المعركة، وهو يرتجز على عادة العرب في تلك الأزمنة:

كيف يرى الفجّار ضرب الأسودِ

بالمشرفي القاطعِ المهنّدِ

أحمي الخيار من بني محمد

أذبّ عنهم باللسان واليد

أرجو بذاك الفوز عند المورد

من الإله الواحد الموحّد.

فقتل خمسة وعشرين من جحافل عبيد الأمويين حتى سقط شهيدا، يوم العاشر من محرم الحرام العام 61 هـ. هنا يقف الرواة مستغربين أمام ما صنعه الحسين في تلك اللحظة، إذ توجّه ناحيته حتى نزل من جواده إلى الأرض، ووضع خدّه على خدّ ذلك «الحر» الأسود، تماما كما فعل بعد ساعةٍ مع ابنه علي الأكبر، ودعا له قائلا: «اللَّهُمَّ بَيِّض وجهه، وطَيِّب رِيحه، واحشره مع الأبرار». رسالةٌ أمميةٌ ذابت فيها الفوارق وانصهرت في بوتقتها الأعراق، غرسها محمدٌ (ص) حتى امتدت جذورها في الأرض واستطالت أغصانها، وأثمرت في كربلاء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1601 - الثلثاء 23 يناير 2007م الموافق 04 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً