يتوجب علينا أن نتصارح في عدة موضوعات، ونكرر المصارحة بشأن رفع ونشر صور لزعماء يحملون صفة مشتركة بين الدين والسياسة... وتزداد أهمية الموضوع مع ازدياد الحساسية في الأوضاع الإقليمية والمحلية بشأن ارتباط هذا الزعيم الديني أو ذاك بقضايا سياسية قد تلقي بظلالها على الواقع المحلي، على رغم أن القصد في الأساس لم يكن في الاتجاه الذي تتم ترجمته من قِبل أطراف مختلفة.
ومع بدء موسم عاشوراء تزداد صور علماء الدين من غير البحرينيين في المآتم وعلى القماش الأسود (السواد)، الذي يستخدم للاحتفاء بالمناسبة، وهذا الاستخدام الرمزي للصور الدينية ازداد خلال السنوات الخمس الماضية إلى الدرجة التي يستفيد منها بعض الحاقدين حاليا في التحريض ضد أهل البحرين الذين ضحوا بكل غالٍ وثمين؛ لاستقلال وعزة وكرامة البحرين.
الصور الدينية كانت ومازالت محل اختلاف بين المسلمين من كل المذاهب... وفي العراق وإيران، هناك من يحرِّم، وهناك من يحلِّل، رفع صور متخيلة للإمام علي (ع) أو الأئمة الآخرين في المناسبات الدينية... ومنذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي بدأت صور مراجع الدين تنتشر بدلا من الصور المتخيلة للأئمة. ومع تعقد الأوضاع سياسيّا، أصبحت هذه الصور تحمل مضامينَ سياسية، ربما لم تكن مقصودة بالنسبة إلى من يتبنى رفع ونشر هذه الصور.
لا شك في أنه لا مانع من رفع صور لأناس محترمين يحملون صفة دينية، ولكن هناك إشكالا آخر يتعلق بالجانب السياسي المصاحب للظروف التي نمر بها. فلو رفع أحد المآتم صورة لعالم دين بحريني، فإن الأمر ليس عليه إشكال؛ لأن الخصوصية البحرينية ستمنع امتداد ذلك إلى حساسية سياسية خارج حدود البحرين. ولكن المشكلة متروكة من دون مناقشة حاليا، كأنها وحي منزل من الله. فالصور إنما رفعها أناس عن حسن قصد، وهذا القصد أصبح تحت ضغط الظروف السياسية المحيطة... هذا علما أن - وبحسب ما تذكره مصادر مختلفة - علماء الدين من خارج البحرين لا ينظرون إلى رفع صورهم بقدسية، ولا يعتبرونه جزءا من الدين، وخصوصا أن الدين الإسلامي ترتبط قدسيته بالله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا لا تراه الأعين، وبالتالي إن ما دون ذلك ليس مقدسا، وإنما قد يتخذه الإنسان لأهداف جمالية أو تذكيرية.
وإذا كانت ذكرى عاشوراء ترتبط بقضية أكبر من الظروف السياسية التي نمر بها - محليا أو إقليميا أو عالميا، فإنه من المحبذ أن يكون سقف المناسبة مرتبطا بالجوانب المخلّدة من قضية الحسين... وصور علماء الدين ليست من تلك الجوانب المخلّدة في الذكرى؛ لأنها قد توجد وقد لا توجد، ولكن الذكرى تستمر. وإذا كان وجودها قد يضر بأي شكل من الأشكال بمن يحيي تلك الذكرى - سواء أكان من باب التشويه المقصود أم إساءة الفهم غير المقصود - فإنه من الأحرى أن تغلق منافذ الابتلاء مادامت بمقدورنا وبخيارنا الطوعي... والاختيار الطوعي في هذا الاتجاه أو ذاك - مع التبرير العقلي - مقبول لدى العقلاء ومن يهمهم التمسك بجوهر ذكرى الإمام الحسين (ع) من دون سقف دنيوي.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1601 - الثلثاء 23 يناير 2007م الموافق 04 محرم 1428هـ