أصبحت السماء العربية والإسلامية ملبدة بالغيوم الداكنة أكثر فأكثر كلما دخلنا يوما اضافيا في العام 2007، كما أصبح العقل والدراية متراجعين لصالح المشاعر الجياشة والغرائزية المنفلتة من عقالها!
والسبب الأساسي بتقديري يكمن في تلك المفاضلة التي تجري منذ مدة بين «القوة» و «الشجاعة» اثناء عمليات ممارسة السياسة والعمل السياسي على المستويين القريب والبعيد أي في التكتيك كما في الاستراتيجيا.
والبادئ في هذه «المسابقة» غير المتكافئة برأيي هم أصحاب نظرية «نهاية التاريخ» و «الضربات الاستباقية» من المحافظين الجدد الذين خطفوا القرار الأميركي القومي كما هيمنوا على القرار العالمي على عدة مستويات وبشكل أكثر وضوحا في إقليمنا العربي والإسلامي.
ولنقطع الشك باليقين منذ البداية من خلال توضيح ضروري حتى لا يدخل علينا أحد من الليبراليين العرب أو المسلمين الجدد ليقول لنا إن البداية كانت مع حوادث 11 سبتمبر/ أيلول أو «غزوة» نيويورك، فهذا كلام بات مردودا عليه بعد أن تكشفت صفحات كثيرة على يد الغربيين والأميركيين أنفسهم من أن المخطط لغزو العراق واحتلاله والسيطرة على مقدراته كان معدا سلفا قبل أن يفكر أحد في غزو نيويورك أو أي عاصمة غربية.
المهم، أن الأميركيين اليوم يكادون يقتربون من الاجماع الذي يقول إن «الحرب على العراق كانت اكبر خطيئة ارتكبناها منذ حرب الفيتنام»، كما جاء على لسان الجمهوريين قبل الديمقراطيين قبل أيام وهم يناقشون ما اطلق عليه باستراتيجية بوش الجديدة!
وقد قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت اثناء مرافعتها في الكونغرس قبل أيام أيضا في جلسة استماع دعيت إليها خصوصا لمناقشة الاستراتيجية «الجديدة»: «أعرف أن انسحابنا الآن من العراق سيكون كارثيا لكن بقاءنا وخصوصا مع قوات اضافية هو أيضا كارثي»، ولذلك تضيف أولبرايت ومعها الذين كانوا يناقشون إمكان الاستفادة من نصائح لجنة بيكر - هاملتون أن «علينا الإذعان إلى ضرورة اشراك الدول والقوى النافذة في مشكلة العراق في الحل... كما أن علينا التوضيح للرأي العام أن الحديث إلى الخصوم ليس مهادنة ولا تراجعا...»، كما طالبوا طهران «بالاستماع» إليهم جيدا ومنح تأشيرات لأعضاء في الكونغرس مع توجيه دعوة لزيارة العاصمة الإيرانية للتباحث مع أصحاب القرار بشأن هذا الموضوع!
لا أدري كم سيستمع إليهم جورج بوش أصلا وهو المصر على عدم الإذعان بالفشل المحقق في العراق وعدم الإذعان بأن الذين تعاون أو تواطأ معهم بشأن ضرورة استخدام القوة ضد العراق البائد إنما غشّّوه وورطوه في واحدة من أسوأ الكوارث القومية الأميركية كما سيكتب التاريخ لاحقا عن هذه المرحلة... كما لا ادري إن كانت طهران ستستجيب لنداء أولبرايت والذين شاطروها الرأي من قيادات الكونغرس وإن كان ذلك سيفتح ثغرة في الجدار المسدود بوجه العراقيين والأميركيين من أصحاب نظرية تغليب القوة على «الشجاعة». وبما أننا نقترب من الذكرى الرابعة لغزو العراق واستباحته أقول إن المشكلة الأساسية أو لنقل أحد أهم أوجه المشكلة على الأقل كان ولايزال يكمن في أن أصحاب نظرية «نهاية التاريخ» و «الضربات الاستباقية» سواء كانوا من الأميركيين أو من المنبهرين بهم من العراقيين والعرب أو المسلمين إنما اطلقوا العنان منذ البداية لغرائزيتهم التي «تؤله» القوة على حساب الشجاعة ولايزالون.
فليس من الشجاعة بمكان أن تتمكن من هدم وطن كامل وتدمير كل الأنسجة العراقية المجتمعية بفضل تفوق قوتك على قوة الخصم من أجل إزالة غدة سرطانية كان يعاني منها البلد، هذا إذا ما صدقت نواياك أصلا!
وليس من الشجاعة بمكان أن ترفض كل المبادرات «التصالحية» أو «التوافقية» التي عرضت عليك والتي كان بإمكانها أن تزيل الغدة السرطانية بعملية جراحية ناجعة!
وليس من الشجاعة أن تلعب لعبة الشياطين الحالية عبر استخدام «دورة العنف» الجهنمية بين الميليشيات الطائفية والمذهبية والعرقية كسلاح تخويفي وإرعابي لفرض قوتك المتفوقة على الجميع! وهو ما يعرفه الجميع وسيرضخ اليه عاجلا أم آجلا ولكن بأي ثمن؟!
الشجاعة أن تعترف وتقر بوقوع الخطأ لا أن تكتفي بالنصائح وتكابر!
تماما كما أنه ليس ا من الغرئزية المنفلتة المتخندقة خلف الطائفة مرة وخلف العرق مرة أخرى ودائما خلف «إله» القوة!
الشجاعة كل الشجاعة في مصارحة المحتل بأنه ارتكب جرائم العصر بحق العراق والعراقيين، وعليه أن يحزم حقائبه ويرحل بجدول زمني سريع وسريع جدا! لا أن يتسابق المتقاتلون على «استبطاء» رحيله بحجة وذريعة احتقانات الحرب الأهلية وأن يستقوي بعضهم على بعض بـ «عصا» الأميركي الغليظة كما نسمع ونرى يوميا!
الشجاعة كل الشجاعة أن نحذره من كل حرب جديدة ونعلنها صراحة أننا كلٌ واحدٌ شيعة وسنة وعربا وعجما، طوائف ومذاهب واديانا وأعراقا وأطيافا لا أن نصبح «ورقة التوت» التي تغطي «عورة» الأميركي التي باتت بائنة وبينة وواضحة وشفافة لدى غالبية الأميركيين! وفي هذا خدمة للمصالح القومية الأميركية أيضا إذا أردتم! وأخيرا فإن أفضل الجهاد كلمة حق بوجه سلطان جائر كما يقول الحديث، واليوم فإن المحافظين الجدد هم السلطان الجائر... فلنقل كلمتنا للتاريخ بشجاعة!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1600 - الإثنين 22 يناير 2007م الموافق 03 محرم 1428هـ