إذا كان آخر الدواء لدى المرضى هو الكي، فإن آخر الحلول وربما أولها لدى الآسيويين هو الانتحار...
سؤال لطالما طرح مرارا وتكرارا: لماذا ينتحر الآسيويون بهذه الطريقة وبهذه الكثرة؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من أن نتغلغل في حياة الآسيويين ونعيش ما عاشوه، وسنعرف حينها الإجابة بكل يسر وسهولة. أولا، معظم الآسيويين الذين ينتحرون بشكل يومي هم من الفئة المعدومة، الفئة التي تكد وتكدح ليل نهار من دون وقت محدد فالوتيرة تبدأ بنشاط العمال وتنتهي بانتهاء آخر قطرة عرق فيهم!
لننتقل إلى الماضي قليلا، فقد قدم هؤلاء العمال في ظروف قاسية جدا، أحدهم ربما باع ولده أو عضوا من والدته أو زوجته لكي يقدم إلى بلد الأحلام أو خليج الأحلام، ويخال له أنه سيرجع إلى بلده بعد سنين مكللا بأسوار من ذهب وفضة.
المشكلة هي أن هذا المسكين يصطدم بالواقع المرير الذي ألقى نفسه فيه، فقد كان يعيش في النار ورمى بنفسه في الجحيم، ولكن الفرق أنه خسر كل شيء في وطنه.
الوتيرة تتسارع، وتتعقد الأمور وتتعقد حتى تصل العقد إلى نقطة اللارجوع، وحينها تكون أمام الآسيوي خيارات محدودة... إما الهروب من العمل والعيش على العمل الحر وهو يعني لدى الآسيويين أن يعمل في الخفاء خوفا من أن تضبطه الشرطة وتعيده إلى الجحيم مرة أخرى، والخيار الآخر أن يجرح نفسه بآلة حادة «عل وعسى» أن تنتهي الأمور بتعويض مالي وإرجاعه مرة أخرى إلى وطنه بعلته.
إذا انتهت هذه الخيارات، يبقى الخيار الأخير (الكي)، ولكنه كي من نوع آخر، كيٌ لا رجوع فيه إلى الحياة مرة أخرى! كان الآسيويون يلجأن في السابق إلى عدة وسائل، بعضهم يحرق نفسه وخصوصا أن كثيرا من الهنود يحرقون موتاهم ولذا فإن الحرق في الحياة لا يختلف عن الحرق في الموت كما يخيل إليهم، ولكنهم عدلوا عن هذا الأسلوب التقليدي لينتقلوا إلى أسلوب أقل وقعا وربما أقل ألما، فالمروحة والحبل لا تكلف شيئا والموت فيها مضمون أيضا.
الأسبوع الماضي كشف مشهد جديد من تطور مسلسل الانتحار...
شخصيا، كنت مارا بالقرب من شارع الملك فيصل حين ألقى الآسيوي بنفسه من الجسر غير آبه بالطريقة التي سيقضي فيها نحبه ويلاقي فيها ربه، فاستقر على سيارة مارة ربما غاب نفس من كان يسوقها مع نفس الآسيوي من هول المنظر ووقعه، كان جسد الآسيوي على وشك أن يكون على سيارتي الخاصة ولكن «الله ستر».
لم يكن على من تجمعوا أن يشدهم منظر الآسيوي وسقوطه، فهل فكروا لحظة بالسبب الذي دعاه إلى إلقاء نفسه بهذه الطريقة القاسية؟
قوانين العمال الآسيويين بحاجة إلى إعادة نظر، طريقة معيشتهم بحاجة إلى نظر، وكل ما يتعلق بهم بحاجة إلى نظر. حاليا، لا يملك الآسيويون سوى الانتحار وإراحة أنفسهم من همِّ البحرين وما فيها، وإراحتها من لوم الأهالي الذي ينتظرون عودتهم ملوكا!
فهل يعقل أن يعمل الآسيوي تحت وطأة الشمس تارة وفوق «سكلات» الحديد تارة أخرى وينهكون أجسادهم في ساعات عمل لا تتوقف، بينما يحصلون على رواتب لا تكفي لسد أبسط الحاجيات، فتراهم وقد صبغتهم الشمس بلونها ونظير ذلك يحصلون على 60 دينارا في الشهر الواحد.
هذا الوضع يحتم علينا أن نوجه مجموعة من الأسئلة: هل صحيح أن «أرباب» العمل حولوا العمال الآسيويين إلى عبيد يرمون عليهم الفتات ليكونوا من ورائهم ثروات طائلة؟ وأين وزارة العمل من كل ما يجري؟ فهل قوانينها أسقطت الآسيويين سهوا أم عمدا؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1600 - الإثنين 22 يناير 2007م الموافق 03 محرم 1428هـ