ضمن الحلقة الثالثة لقراءتنا لأداء البحرين في تقرير الحرية الاقتصادية للعام 2007، يركز مقال اليوم على متغير الحكومة أو الحرية من الحكومة. استنادا إلى التقرير، يعاني الاقتصاد البحريني من مشكلة الوجود النسبي الضخم للقطاع العام في الاقتصاد المحلي. وعلى هذا الأساس حصلت البحرين على نتيجة غير مرضية في هذا المتغير، وتحديدا 57 في المئة.
المعروف أن مؤسسة هيريتج فاونديشن و صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركيتان وهما الجهتان الصادرتان للتقرير، تنظران بعين الريبة إلى التدخل الحكومي في الاقتصاد، إذ إن من شأن ذلك تقليص هامش الحرية الممنوحة للأفراد ومؤسسات القطاع الخاص.
حقيقة القول بمقدور الحكومة الحصول على مزايا مثل تأخير عملية دفع الفاتورة وربما الإصرار على الحصول على خصومات لأسباب مختلفة منها قوتها الشرائية. كما أن بمقدور الجهات الرسمية الانتقام من المؤسسات التي لا تمنحها المزايا بواسطة حرمانها من الحصول على أعمال تجارية مستقبلا. وفي نهاية المطاف يكون الاقتصاد البحريني هو الخاسر الأكبر لأن الأمر يضر بأمور مثل الكفاءة.
مزاحمة القطاع الخاص
كما أن من شأن التدخل الحكومي الحصول على تسهيلات مصرفية الأمر الذي قد يدفع بمعدلات الفائدة إلى الأعلى ولو بشكل نسبي. يشار إلى أن الحكومة حصلت على قروض من المصارف التجارية العاملة في البحرين بقيمة 192 مليون دينار في الربع الثالث للعام 2006 مشكلا أقل من 7 في المئة من مجموع القروض المصرفية. ما يهمنا في هذا المطاف هو أن حصول القطاع العام على تسهيلات مصرفية يشكل بحد ذاته مزاحمة للقطاع الخاص والأفراد كما هو معروف في الفكر الاقتصادي. ومرد ذلك إمكان حصول الجهات الرسمية على شروط خاصة ربما لا تكون متوافرة للناس العاديين.
لكن لاحظ التقرير أن حجم المصروفات الحكومية بما في ذلك الاستهلاك والتحويلات مقبول نسبيا. وجاء في التقرير، أن القطاع العام يستحوذ على 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين. ويقترب هذا الرقم من الإحصاءات الرسمية للعام 2005 التي أشارت إلى أن القطاع العام ساهم بقيمة 643 مليون دينار على شكل استهلاك إضافة إلى 252 مليون دينار لأغراض الاستثمارات مشكلا نحو 26 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (والتي بدورها بلغت 3500 مليون دينار).
كما أسلفنا لا يعتبر الاستهلاك الحكومي أمرا إيجابيا بحد ذاته إذ إن ذلك يمثل منافسة القطاع العام للمؤسسات والأفراد للحصول على السلع والخدمات. وهذا بدوره يترك أثره على مستويات الأسعار وشروط الخدمات نظرا إلى ما يتمتع به القطاع العام من نفوذ.
الاعتماد على الدخل النفطي
من جهة أخرى، جاء في التقرير أن الحكومة تحصل على 72 في المئة من إيراداتها من القطاع النفطي فضلا عن المؤسسات الأخرى التابعة للدولة (في إشارة إلى شركات مثل ألبا وبتلكو وبناغاز). وبمعنى آخر، فإن هناك اعتمادا كبيرا على المؤسسات التابعة للقطاع العام فيما يخص دخل الخزانة ما يعني أن الاقتصاد البحريني واقع تحت رحمة تصرفات القطاع العام. أيضا يشكل اعتماد إيرادات الموازنة على القطاع النفطي أمرا سلبيا لأنه يجعل الاقتصاد تحت رحمة التطورات في الأسواق الدولية. فالحكومة بحاجة إلى دخل النفط حتى يتسنى لها القيام بعمليات الصرف والتحويل في الاقتصاد المحلي.
على كل حال يبدو أن الأمور متجهة نحو تقليص دور القطاع العام في النشاط الاقتصادي بدليل تحويل إدارة وتشغيل محطة الحد لإنتاج الكهرباء والماء إلى عهدة شركات دولية (تحديدا ثلاث شركات أجنبية) فضلا عن بدء شركة أجنبية أخرى امتياز تشغيل الموانئ. بدورنا نرى أن تقليص دور الحكومة مفاده منح القطاع الخاص المزيد من هامش الحرية الأمر الذي يصب في مصلحة تحقيق الكفاءة في الاقتصاد الوطني. يناقش مقال يوم غد (الأربعاء) المزيد من أداء البحرين في تقرير الحرية الاقتصادية.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1600 - الإثنين 22 يناير 2007م الموافق 03 محرم 1428هـ