العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ

الطاقة النووية... ترف أم ضرورة؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الحديث عن الطاقة النووية يتردد كثيرا هذه الأيام في مختلف أجهزة الإعلام، لا سيما وأن إصرار إيران على امتلاك السلاح النووي جعل دول العالم الكبرى تقف منها موقف المعارض، والمهدِد أحيانا بحجة أن النظام الدولي يمنع امتلاك هذه الطاقة للأغراض الحربية، ورغم أن إيران تكرر دائما أن هدفها تصنيع طاقة نووية للأغراض السلمية إلا أن الآخرين لا يصدقون هذه الأقوال.

قادة دول مجلس التعاون تحدثوا كثيرا في هذا الموضوع، ورأيهم أن الطاقة النووية للأغراض السلمية حق للجميع، أما إن كانت للأغراض الحربية فهي غير مقبولة، ويطالبون «إسرائيل» أن تُخضِع منشآتها النووية للتفتيش أسوة بغيرها، لكن «إسرائيل» تصر على موقفها لا تلتفت لأحد، مطالبة إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم وإلا...

الحصول على الطاقة النووية السلمية حق لكل دولة، ومن حق دول الخليج أن تحصل على هذه الطاقة لكي تدخل تحسينات أساسية على صناعتها، وزراعتها، وسائر علومها الأخرى.

وكانت جامعة الملك عبدالعزيز أول جامعة عربية تتبنى مؤتمرا عالميا للاستخدامات السلمية للتقنية النووية بدول مجلس التعاون الخليجي الذي سيعقد في رحابها في الفترة ما بين 5 و7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، هذا المؤتمر سيرعاه خادم الحرمين الشريفين، وسيحضره الكثير من علماء الذرة من شتى أنحاء العالم، وسيناقش الحاضرون موضوعات متعددة ومهمة تتعلق بالطاقة النووية وكيفية استخدامها في المجالات الصناعية النفطية، والمياه، والطب، وصحة الإنسان، وسواها.

الجامعة أرادت أن تحقق تطلعات قادة مجلس التعاون، كما أرادت أن تكون البداية سليمة، وعلى أسس علمية متينة، فكان هذا اللقاء العلمي المميز الذي نتوقع أن يتمخص عن نتائج بحجم الطموح، وأن يؤسس لقواعد علمية منهجية تمكن دولنا من استخدام هذه الطاقة في مصلحة البلاد في كل ما تحتاج إليه.

إن هذه الندوة يجب أن تبرز أهمية الطاقة النووية، وأهمية استخدامها في دول الخليج، كما ينبغي أن يكون هناك مجموعة من العلماء المختصين في الطاقة متفرغين لهذا العمل، لكي يكون عندهم الوقت لمتابعة أخبار الطاقة النووية وتطوراتها المستمرة وتزويد صنّاع القرار بهذه المعلومات لكي تساعدهم على اتخاذ القرارات المناسبة.

كما أن وجود قنوات اتصال دائمة بين علماء الطاقة النووية في العالم وبين زملائهم في دول المجلس أمر في غاية الأهمية، ومعروف منذ القدم أهمية التبادل المعرفي بين الأمم، وكيف يستفيد العلماء بعضهم من البعض الآخر، ولهذا فمن المهم أن يحضر المختصون في دول الخليج الندوات العلمية التي تعقد في الخارج، ومن المهم كذلك أن يكون في جامعاتنا المختصة ندوات مماثلة تطلعهم على أحدث المعلومات التي تتعلق بتخصصاتهم.

رئيس قسم الهندسة النووية وأمين اللجنة التنفيذية العليا للمؤتمر محمد الجهني أكد أن هذه الندوة ستتيح الفرصة لتبادل الآراء بين الخبراء الدوليين والمحليين والتوافق على الموضوعات المهمة مما يمهد الطريق لتبني استخدام سلمي للتقنية النووية.

لكننا نريد أكثر من ذلك، نريد من هذه الندوة أن تمهد لقيام مؤسسة سعودية، أو خليجية، أيا كانت، ومهما يكن مسماها، المهم أن يكون لدينا مؤسسة جادة، لها ميزانيتها القادرة على تبني علماء ومشاريع ذات تأثير فعلي على إيجاد الطاقة وكذلك بناء مصانع متخصصة تغني بلادنا الخليجية، إلى حدٍ ما، عن الآخرين، وتجعل لها استقلاليتها المالية والسياسية، وهذا من أهم الأشياء التي نحتاجها حاليا، خاصة والعالم كله يمر بأزمة خانقة تؤثر على اقتصاده وصناعته، وقضاياه السياسية والاجتماعية... وإزاء هذا كله لابد أن يكون لدولنا موقف حازم وسريع تبحث فيه عن تطوير نفسها لاسيما وأنها، حاليا، تملك الإمكانات اللازمة لذلك، ولكننا لا نعرف ماذا قد يجري مستقبلا، والتطورات التي نراها أمامنا أشبه بالحلم السيئ، أو الكابوس الذي لا ندري متى نستفيق فلا نراه أمامنا.

دولنا تعتمد، حاليا، على النفط، وهذا المصدر الأساسي لدخلها القومي، ولكن هذا النفط لا يمكن الاعتماد عليه إلى الأبد، الدول الكبرى تبحث عن بدائل، قد تصل وقد لا تصل، لكن المهم أن لا تبقى دولنا معتمدة على مصدر واحد لدخلها القومي، ولعل الطاقة النووية تسهم إلى حدٍ كبير في إيجاد مصادر أخرى للدخل القومي لبلادنا عندما نبني مصانع متعددة التخصصات نستفيد منها في حياتنا ولعل جزءا من هذه المصانع تكون معتمدة على بترولنا، فبدلا من بيعه خاما بأسعار زهيدة ليعود لنا مصنّعا بأغلى الأثمان يمكن تحويل جزء منه لمصانعنا المعتمدة على الطاقة النووية ونحصل بذلك على الصناعات التي نحتاجها من مصانعنا وبأسعار قليلة، والأهم أن نحاول الإعتماد على أنفسنا لأن الاعتماد شبه الكلي على دول لا ندري هل ستستمر في إمدادنا باحتياجاتنا أم تتوقف في أي لحظة.

وإذا للسيد البرادعي أن يحضر المؤتمر فإن الحديث عن السلاح النووي الإيراني والإسرائيلي يجب أن يبحث بصراحة كيف نطلب من إيران التوقف عن برامجها النووية، التي تقول إنها سلمية، ولا يطلب من «إسرائيل» التخلي عن ترسانتها النووية الحربية؟! ليس في مصلحتنا أن يكون قريبا منا دولة تمتلك مثل هذا السلاح، وليس في مصلحتنا أن تقوم حروب في منطقتنا، ولهذا لابد أن تكون مواقف دولنا واضحة في هذا المجال.

لا شك أننا سعداء بهذا المؤتمر الذي أعرف أنه الأول في بلادنا العربية، وأعرف أن وراء إنجاحه جهود رائعة، ابتداء من خادم الحرمين، ووزير التعليم العالي، ومدير جامعة الملك عبدالعزيز، والدكتور الجهني، لكننا سنكون أكثر سعادة لو أمكننا أن نرى في المستقبل نتائج حقيقية لهذا المؤتمر وهذا ما نأمله إن شاء الله.

الطاقة النووية السلمية ليست ترفا في حياتنا نختارها أو نرفضها، بل هي ضرورية يجب أن نسعى إليها، ونحافظ عليها

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً