العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ

حيث جرت الدماء لا تنمو أشجار النسيان

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ليس أزيد مما نسمعه ونراه يوميا من أحوداث في المنطقة أن يطرح الرئيس الأميركي بوش خطّته الجديدة للأمن في العراق بمفاعيلها الممتدة للأعداء المُزمنين لإدارته (إيران وسورية) إلاّ أن الجديد هو في صدى ذلك الإجراء وتفسيراته، وبالتحديد ما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو بريجنسكي من أنه يخشى «أن تكون الاستراتيجية الأخيرة التي طرحها الرئيس بوش بشأن العراق مُقدمة لتوسيع الحرب في المنطقة، وصولا إلى إيران قبل نهاية عهده» وبما أن ملف العراق بالنسبة للأميركيين لم يُحسم بعد على أساس أن الجهد الأميركي هناك يتحرك من منطلقات استعمارية أكيدة تأتي بعد حقبة ما بعد الاستعمار، فإن التساؤل الذي يُثار اليوم وبقوة هو عن مدى جديّة ذلك الحديث وعن طبيعة الضربة العسكرية الأميركية المُفترضة للأراضي الإيرانية، وما إذا كانت هذه الضربة محدودة تستهدف مركز العمليات بمفاعل المياه الثقيلة في أراك ومحطة تخصيب الوقود في نطنز وشركة مصباح أنرجي للمياه الثقيلة، أم أنها ستتوسّع لتشمل مركز سلاح الجو في الحرس الثوري ومنظمة الصناعات الجوية ومحطات الصواريخ البالستية ومنظومة شهاب (3، 4، 5) بعيدة المدى. وسواء أكانت العملية المُشار إليها محدودة أم واسعة ؛فإن ما يُقوّي تلك التقديرات على الأرض هو قيام الإدارة الأميركية بعدة تحركات بدأتها من داخل الأراضي العراقية عبر ضرب مكتب الارتباط الإيراني في مدينة أربيل الشمالية في الحادي عشر من الشهر الجاري، وهو إجراء على ما يبدو يستهدف تفكيك النفوذ الإيراني القوي داخل العراق (وبالذات في منطقة الأكراد والتي يعود الوجود الإيراني فيها إلى سبعة عشر عاما خلت) من أجل تأمين الجبهة الشمالية الغربية للقوات الأميركية في العمق العراقي، وقطع الطريق أمام أي امتداد عقائدي أو مذهبي من شيعة العراق يُمكن أن يتشكّل إذا ما ضُرِبت الجمهورية الإسلامية.

في تصريحات غير بعيدة لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس مع صحيفة «نيويورك تايمز» قالت: إن «استراتيجيتنا حيال إيران تطورت للتصدي للمشكلات الخطيرة التي تسببها، وقد قمنا بذلك (أي عملية أربيل) وسنواصل هذا العمل».

في جانب آخر ضمن السياق ذاته قال قائد عسكري أميركي من القيادة الوسطى: إن «واشنطن تعتزم نشر مجموعتين بحريتين وجويتين في الخليج خلال الأسابيع المقبلة»، وإذا ما تذكرنا هنا أن القيادة الأميركية قد أرسلت حاملتي الطائرات إيزنهاور وجون سي. ستنيس إلى مياه الخليج بمعية آلاف الجنود خلال الأسابيع الأخيرة فإن الصورة قد تكون أكثر وضوحا وأكثر جدّية من أي وقت مضى، لكن المهم في ذلك ليس أن تكتمل الصورة أو لا تكتمل بقدر ما يهم تحقّق الظروف الموضوعية واللوجستية وموازين القوى العملية التي من شأنها أن تحسم المعركة المُفترضة في أسرع وقت ممكن، وإذا ما قدّرنا أن تقوم واشنطن بضربة وقائية Preventive Strike ضد طهران (وهو ما يتمّ الحديث عنه اليوم) فإن الحال سيكون أسوأ بالنسبة إلى واشنطن عن وضعها الحالي في العراق، فإيران تبقى هي إيران... دولة لا تعتمد على وسائل مدنية محدودة ومُجرّدة في معاملاتها السياسية عند الأزمات ،الأمر الذي يُتيح لها التحرك بأوراق غير محدودة عمدت على استحصالها منذ بداية عقد التسعينات عبر ثلاثة خطوط متوازية تأسّست في ظل سياسة خارجية غير مستقرة وجوار له وجهة نظر متغيرة تجاهها، الأول هو القفز على الجغرافيا القريبة ومن ثم القيام بعملية إنزال اقتصادي في الخلف والوصول إلى نقاط تتزاحم فيها مع أطراف تقليديين يتعاملون (تجاريا واقتصاديا) بشكل رئيسي في قطاع الطاقة الأحفورية، وهوالأمر ذاته الذي حصل مع الهند واليابان وشمال أوروبا، والخط الثاني عبر التمترس العسكري بمساحة جغرافية (هلامية) تسندها أرض ممتدة تصل إلى (1.65 مليون كم2) بغرض توزيع القدرات الدفاعية والعسكرية الإيرانية، وقد نُفّذت تلك الخطّة من قِبَل وحدات الباسدران منذ العام 1995 في إحدى وثلاثين ألف قاعدة رئيسية وفرعية، والخط الثالث هو التقدم ما أمكن نحو الحصول على قيادة دينية تحظى بشرعية وبتأييد رسمي وشعبي لدى العالم الإسلامي، وقد استطاعت الجمهورية الإسلامية تحقيق جزء كبير من هذا الخط عبر نسج مجموعة هائلة من العلاقات الرسمية وغير الرسمية من خلال تنظيم المؤتمرات والندوات بواقع ستين مؤتمرا وندوة ولقاء في العام الواحد.

وإذا ما كان الرئيس بوش يدعي بأن 80 في المئة من أعمال العنف في العراق تقع في محيط ثمان وأربعين كيلومترا مربعا فإنه وفي حالة قيامه بضربه عسكرية ضد الأراضي الإيرانية ،فإن ذلك سيعني أن 435052 كيلومترا مربعا هي مساحة العراق الفعلية ستكون مذبحا للجيش الأميركي على امتداد السهل الرسوبي بين مدينة بلد على نهر دجلة ومدينة الرمادي في منطقة التل الأسود على نهر الفرات من جهة الشمال والحدود الإيرانية من جهة الشرق والهضبة الصحراوية من جهة الغرب وتدخل ضمنها منطقة الأهوار والبحيرات والتي هي في الأصل واقعة ضمن النفوذ الإيراني، وكذلك المنطقة الجبلية والمتموّجة.

وإذا كانت خطة الرئيس بوش تهدف إلى تحديد أهداف مرحلية سياسية للحكومة العراقية الحالية فلا يعني هذا الطموح أن هذه الحكومة هي بالمطلق تحت النفوذ الأميركي بقدر ما لإيران من نفوذ كبير بين أعضائها فسرته التصريحات الأخيرة للسيدعبدالعزيز الحكيم زعيم الائتلاف العراقي الموحّد التي أدان فيها بشدة عملية أربيل!

وإذا كانت أيضا خطة بوش تنص على تقديم مليار دولار أميركي على سبيل المساعدة في برنامج إعادة الإعمار ولتطوير العراق اقتصاديا فلا يعني أن طهران لم تُقدّم مليار دولار كاعتمادات مالية في الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

إذا فالأمور مُعقّدة وليس بالسهولة التي تتصورها الإدارة الأميركية المُنهكة التي لم تعد تحتمل مزيدا من الضغوط الداخلية بعد فوز الديمقراطيين، باختصار ،فإن الأميركيين في هذه المرحلة بالذات غير قادرين على فتح جبهة عسكرية جديدة وخصوصا مع إيران سواء اكتملت صورة العروض العسكرية أم لم تكتمل.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً