العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ

عاشوراء المناسبة والخطاب

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

تطل علينا عاشوراء كل عام فيحتفل المسلمون بعامهم الجديد، وتنقل الفضائيات الاحتفالات بذكرى أهل البيت وذرية الرسول (ص)، ويبقى السؤال ملحا ومهما - خصوصا في الظروف الراهنة التي نعيشها والأوضاع المتغيرة التي تحيط بنا وترغمنا على التناغم والتعامل معها باقتدار ونجاح - كيف نحيي هذه المناسبات؟ وأي خطاب نحركه في أمثالها ليكون أكثر نفعا وأعم فائدة للمجتمع الكبير والواسع؟

في تصوري ينبغي أن يعمل خطابنا العاشورائي ضمن دوائر ثلاث:

الدائرة الأولى عدم الاستحواذ

فأهل البيت (عليهم السلام) ليسوا حكرا على جماعة معينة، وليسوا ملكا يختص به قوم من دون أن يشاركهم فيه بقية المسلمين، كما أن سيرتهم وتعاليمهم ليست حكرا على فئة مخصوصة، فالخير والصلاح والهداية والسعادة أهداف عامة وشاملة للإنسانية جمعاء، وقد بدأ رب الخلق بعطائه، وبَسَطَه للعباد كافة، ولم يجعله محدودا بمن عبده واعتقد به أو عمل لأجله، قال تعالى في كتابه الكريم «كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا» (الإسراء:20)، وقد ورد في الدعاء «يا من يعطي من سأله يا من يعطي من لم يسأله ولم يعرفه تحننا منه ورحمة»، كما أن رسول الاسلام ودعوته لم تكن محدودة بأحد، بل كانت عامة شاملة للبشرية جمعاء «وما أرسلناك الا رحمة للعالمين»، وسيرة عترته التي رباها وعلّمها فأحسن تعليمها وتزكيتها هي متاحة لبني الإنسان وفي متناول أيدي الجميع، ولا يختص بها قوم من دون غيرهم.

ان من القدرة والقوة لكل منطق وكل رأي، أن يرفع صوته ويتفاخر بأن ما يؤمن به ويعتقده هو محل توافق للإنسانية بأكملها، لأنه منطق يعلو ويرقى على الاستحواذ، ولو أسقطنا ذلك على ما نحن فيه وقرأنا سيرة أهل البيت، فسنرى تربية الرسول الأكرم تؤتي ثمارها في أخلاقهم وحسن سلوكهم، ليكونوا خير طليعة وقدوة باشرتهم يد التربية المحمدية ليكونوا للإنسانية كلها.

أن محبة أهل البيت (عليهم السلام) متجذرة في نفوس المسلمين، وساد العرف واستقر على أن (اكرام المرء في ولده) واكرام الرسول (ص) يعرف كل مسلم أنه لا ينفك عن اكرام ذريته وولده، وعليه فما هو محل اتفاق يجب أن لا يتحول الى مورد اختلاف بين أمة الإسلام.

انني هنا أكتب المبدأ في اجماله وكليّته، بعيدا عن التفاصيل التي قد يقبلها هذا ويرفضها ذاك، فهل يمكننا الحديث عن هذا القدر المشترك بين المسلمين وهو اكرام الرسول(ص) وانعكاس ذلك على حب الصلحاء والأطهار من ذريته وأهل بيته(ع)؟ هل يمكننا ونحن نؤكد على خصوصيتنا وتفاصيل علاقتنا بهم ومقدار حبنا ومداه وغايته، أن لا نتنكر لحب الآخرين لهم (عليهم السلام) أم أن لغة الخصوصية والاستحواذ هي الطاغية والمسيطرة؟

انني أُقدّر وقد ربيت على ذلك منذ أبصرت النور أن لكل مناسبة خصوصيتها، ولها جمعها وجماعتها التي تُحييها وتبذل الغالي والنفيس من أجلها، ودعوتي هنا ليست لرفع الخصوصية، وانما هي دعوة الطمع في اشراك الآخرين معنا في الجهة الجامعة بيننا وبينهم، حتى لا تبدو تلك الخصوصية وكأنها سور يمنع الآخرين عن الاقتراب من أهل البيت وذرية الرسول (ص).

الدائرة الثانية منطق المحبة

إذا انطلقنا من منطلق ذرية الرسول فسنلمس منه المحبة للآخرين مهما اختلفوا معهم أو تباينوا، بل ومهما كانت درجة العداء(لا سمح الله) من الآخرين، فلا أحد أقرب منهم وأكثر معرفة برسول الله وهو يرفع يديه الى السماء بعد أن رماه أهل الطائف بالحجارة قائلا: (اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون).

اننا أحوج ما نكون اليوم الى رسائل الحب المتبادلة بين أبناء آدم، لأنها هي البديل الفاعل والمؤثر في النفوس، وهي خير من التشنج والكراهية والبغضاء، فرسالة الرحمة العامة للعالمين لا يمكن لأحد أن يدعي ممارسته لها الا إذا كان الحب واحترام الإنسان هو اللغة السائدة في خطابه. مع التزامه الشديد باحترام مشاعر الآخرين وحفظ كرامتهم.

ان ذرية الرسول لا تحتاج الى الأساليب الرخيصة لبيان مكانتها وتوجيه الأنظار اليها، إلا أن يكون المتحدث عنهم ضيّق الأفق ، قريب النظر، محدود الفهم لسيرتهم ومواقفهم.

انني مقتنع تماما ان علمهم ومعرفتهم وسلوكهم وعبادتهم وتربيتهم التي تربوا عليها، كلها ساحات واسعة وميادين ايجابية للحديث عنهم، وكلها مشتركات خصبة تسهل تمرير رسائل الحب والمودة والاخاء بين أبناء الأمة الإسلامية.

يمكنني ايضا الادعاء ان أجيالنا من بنين وفتيات هم أحوج ما يكونون للاطلاع على هذه الجوانب بتفاصيلها الكاملة،أعني(جانب العبادة والتقوى والفضيلة والسلوك الحسن) ليكون ذلك زادهم في تحدي الفساد والانحراف والرذيلة.

الدائرة الثالثة الاشتراك في الهموم العامة

بدأ ابن بنت رسول الله مسيرته بقوله: «إنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي»، فكان نداؤه عاما وشاملا لأمة الاسلام، وكان الهمّ تبعا لذلك هما عاما، ليست فيه نبرة تحصره، ولا مطالب تحده وتقيده، فهو لم يرض لنفسه الضيق والمحدودية.

هذا النهج هو نهج حكمة وعلم ومعرفة، يرتقي بخطاب الناس من الهموم الخاصة ليحاكي المجتمع الواسع ويشترك في همومه الكبرى وقضاياه المصيرية المشتركة، وهذا لا يتم الا إذا تجذرت في أنفسنا قناعة تامة فحواها أن الاصلاح العام والشامل يطال في مسيرته الكثير من الجزئيات، التي سنشهد حلها دون أن يصرف باتجاهها أي جهد خاص.

إن أمثال هذه المناسبات تتيح فرصا ثمينة لتعبئة نفوس الناس تجاه قضاياهم الكبرى، ومن ثم توحيد جهدهم، ودفع عجلة الاصلاح الى الأمام بوتيرة أسرع وخير أنفع وأعم.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً