قبل نحو شهرين كنت برفقة أحد الأصدقاء في زيارة إلى المرحوم الخطيب الأديب السيد محمد صالح القاروني الذي غيبه الموت الجمعة الماضي, وكان أكثر ما شدني خلال الزيارة الروح الشابة التي كانت في صدر شيخ هرم شارف على التسعين من العمر, ومرحه وحيويته التي تنسيك عقوده الثمانية، وكأنه شاب يافع مقبل على الحياة لا راحل عنها. طوال اللقاء لم يشتك السيد من صحته، على رغم أنه لا يستطيع حتى إيقاف رقبته لمدة طويلة, وكان يقلب بعض المذكرات التي دوّن فيها بعض قصائده، وأنامله لا تقوى حتى على تصفح تلك المذكرات, إلا أنه كان يطلعنا عليها وهو في غاية السعادة، وكأنه يكتب أول قصائده. تجولنا في شقته الصغيرة؛ فمن الصالة إلى المكتب, وكنا نلتقط الصور التذكارية معه، وهو يستذكر ذكرياته مع الشعر، وكيف كان الشعر يأخذ مساحة كبيرة من برنامجه اليومي، حتى أنه اعتاد على «النظم» يوميا، ولا يترك موقفا, ولا مناسبة إلا ويؤرخها بأبيات من الشعر, حتى عندما يزور الطبيب وعلى مقاعد الانتظار، وحتى في الأيام الأخيرة إليه في المستشفى وهو لم يكن قادرا على حمل القلم، كان قادرا على النظم، وكانت ملكته الشعرية أقوى من شيخوخته الهرمة. رجل له هذه العلاقة الحميمة بالقلم، يجب أن يرد له القلم الجميل, وهي مسئولية ليست على عاتق أبنائه فحسب بل على عاتق المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية في البلاد التي يجب أن تبادر لتدوين مشواره مع القلم.
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ