العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ

الأسباب الحقيقية لارتفاع الأسعار

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

أمام الحكومة والتجار خياران لا ثالث لهما فيما يتعلق بارتفاع الأسعار، وخصوصا في الآونة الأخيرة، فهذان الطرفان هما المسئولان عن إيضاح الأسباب الحقيقة وراء ذلك الارتفاع، فإما أن يكون هناك سبب وجيه أو يوجد سبب متمثل في الجشع وكسب مزيد من الأرباح على حساب الأكثرية الفقيرة، تمارسها فئة من التجار مستفيدين من تبني الدولة لاقتصاد السوق الحر الذي يمنع التدخل في السوق ومنها منع التسعير.

ولأن الصمت المطبق مازال سيد الموقف فإن سوق التخرصات ستنتعش وللناس كل العذر إذا أسأوا الظن، فمن غير المعقول أن ترتفع أسعار بعض الخضراوات لضعف السعر في فترة وجيزة جدا كالطماطم مثلا، بجانب ارتفاع أسعار الكثير من السلع الاستهلاكية الضرورية كالأجبان والحليب، فضلا عن مواد البناء.

الاقتصاديون يقدمون على المستوى النظري عددا من الأسباب منها ثلاثة أسباب لارتفاع الأسعار يضعونها تحت عنوان «التضخم النقدي»، وفي ظل صمت المعنيين سنتناولها واحدة بعد أخرى لعلنا نكتشف السبب وراء الزيادة الصاروخية في الأسعار. فلو ارتفعت الرواتب الشهرية بصورة كبيرة ومفاجئة، حينها سيرتفع استهلاك الناس من مختلف السلع، خصوصا الكماليات، ولهذا السبب ستقل كميات السلع المعروضة في السوق نتيجة الزيادة المفاجئة في الطلب عليها، وإذا زاد الطلب وقل العرض، حينها من الطبيعي أن ترتفع الأسعار.

وهذا هو النوع الأول من التضخم الذي يحدث نتيجة زيادة النقد بأيدي الناس. ولكن الرواتب لم تزداد، لهذا من السخرية أن تزداد أسعار السلع الاستهلاكية، فهل بعض الخليجيين الذين يزورون البحرين كل نهاية أسبوع هم السبب، فزاد استهلاكهم من الأجبان والطماطم بعد أن ارتفعت رواتبهم إلى 40 في المئة أو أكثر؟ وحتى لو زادت رواتب المواطنين، لماذا تتركز الزيادة في أسعار الحاجات الأساسية للمواطن من خضراوات وأجبان أو التي تتعلق بالبناء كالرمل والكنكري؟

الرواتب لم تزدد أصلا، إذا ليس هذا هو السبب وراء الزيادة غير الطبيعية في الأسعار.

فهل السبب يكمن وراء ارتفاع مفاجئ في كلف الإنتاج، فإذا قام ملاّك المزارع بزيادة الإيجارات كما وقام المنتجون للمواد الخام الأولية التي يتم بيعها على أصحاب المصانع بزيادة الأسعار، سيضطر المزارعون وأصحاب الصناعات التحويلية إلى رفع الأسعار على تجارنا الذي بدورهم اضطروا إلى رفع الأسعار لجبر المصيبة التي نزلت عليهم، وهذا هو النوع الثاني من أنواع التضخم النقدي، أي ارتفاع كلف الإنتاج.

ولكن المعلوم أن هذه السلع كلها تقريبا مستوردة، ولأنها من بلدان مختلفة من أوروبا واليابان والأردن والسعودية وسورية... الخ، فهل هي مصادفة أن تحدث هذه الظروف من زيادة في كلف الإنتاج في كل هذه الدول التي تزودنا بالسلع الأساسية التي تسد حاجات الغالبية من الناس فترتفع بصورة فجائية وفي مدة وجيزة؟ ثم لماذا لم ترتفع أسعار السيارات الفارهة ومستلزمات المنازل الفخمة جدا وباقي المنتجات الترفيهية الخاصة بالطبقات العليا والتي يتم استيرادها من هذه الدول نفسها؟

ربما نكتشف الأسباب الحقيقة وراء ارتفاع الأسعار في النوع الثالث من أنواع التضخم وهو مهم جدّا. فحين يزداد نمو السكان بنسبة كبيرة جدا، وترتفع وتيرة التفريخ بحيث تفوق النمو في قطاعات الاقتصاد القومي، يقل بالتدريج المعروض من السلع الاستهلاكية نسبة للزيادة في عدد السكان. وطالما حذّرت الحكومة من مغبة سياسة التفريخ التي يقال إن الشعب ينتهجها، وطالما وزعت النشرات التوعوية من خلال المراكز الصحية، ولكن لا حياة لمن تنادي، والآن ندفع جميعا ضريبة معصية توجيهات الدولة. غير أن المعروف أن السكان يتزايدون بشكل تدريجي، فالمفترض أن الزيادة في الأسعار تتراكم وتزداد بشكل تدريجي أيضا وليس بسرعة الصاروخ وبشكل فجائي وفي غضون أسابيع فقط، أو في مدّة سنة كمواد البناء، إلا إذا كان عدد السكان زادوا بصورة صاروخية خلال سنة أو سنتين. ولو صح هذا الافتراض، فلا علاقة له بزيادة المواليد وإنما يرجع للارتفاع المفاجئ في سياسة تبني المواليد واخوتهم وأبائهم وأمهاتهم أيضا من خارج البحرين أو ما تطلق عليه المعارضة بـ « للتجنيس السياسي» الذي هطل علينا كهطول المطر.

إن معدّل نسبة زيادة السكان بحسب الأرقام الرسمية التي يتم تزويد بعض البرامج الدولية بها (من 1975 إلى 2004) ما يقارب الـ3.3 في المئة سنويا، بينما «تعد المملكة ثاني أقوى اقتصاديات المنطقة نموا محققة نموا اقتصاديا حقيقيا بلغ 7.8 العام 2005 في ضوء ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.5 مليارات»، ولابد أنها ارتفعت بصورة أكبر في العام 2006 بسبب ارتفاع أسعار النفط، وربما كان هذا الفائض والنمو ما دفع الدولة لتبني آلاف الفقراء والمعوزين من مختلف أصقاع الأرض ومنحهم الجنسية، فالبركة في الزاد حين تشرك الآخرين معك لتقاسمه، فخير الزاد ما تكاثرت عليه الأيدي.

يبقى أن المبررات التي تبرّع بتقديمها أشخاص آخرون ليسوا من المعنيين مباشرة، غير مقنعة، كالزعم بانخفاض قيمة العملة المحلية بسبب ارتباطها بالدولار الذي انخفض أمام اليورو، فالسلع التي نتحدث عنها ليست كلها من أوروبا نشتريها باليورو، فحتى الرمل البحري المستخرج محليا ارتفع سعره.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1599 - الأحد 21 يناير 2007م الموافق 02 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً