يعتقد بأن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها السلطات السعودية منذ إبداء الرغبة في الانضمام لمنظمة التجارة العالمية ساهمت بشكل نوعي في تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للمملكة. فقد ارتفعت قيمة مئات الملايين من الدولارات في المتوسط في التسعينيات إلى 24 مليار دولار في آخر تقرير لـ «الاستثمار العالمي للعام 2008».
وتعتبر المملكة العربية السعودية من أكثر بلدان المنطقة استقطابا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، بل من الممكن تعزيز حجم الاستثمارات الواردة وبالتالي المساهمة في القضاء على بعض التحديات وفي مقدمتها معضلة البطالة فضلا عن تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي.
يمكن تعريف الاستثمارات الأجنبية المباشرة بتلك الطويلة الأجل (وعلى هذا الأساس لا يدخل الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم ضمن هذا التعريف لأنه قابل للتغيير في أي لحظة). ويمثل الاستثمار الأجنبي مقياسا ودليلا ناجحا على مدى قناعة المستثمرين الدوليين بأهمية الاستثمار في أي بلد ما.
الاستثمارات الواردة
استنادا إلى تقرير الاستثمار العالمي للعام 2008 الصادر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) استقطبت السعودية أكثر من 24 مليار دولار (تحديدا 24318 مليون دولار) في العام 2007 أي الأعلى في منطقة غرب آسيا والتي تشمل دول مجلس التعاون الخليجي. وعليه، تم تسجيل نسبة نمو قدرها 33 في المئة في قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة مقارنة مع العام 2007. بالمقارنة، تم تسجيل نسبة نمو قدرها 51 في المئة في قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في 2006 مقارنة مع العام 2005. فقد فاقت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة 18 مليار دولار في العام 2006 مقارنة مع 12 مليار دولار في العام 2005.
حقيقية القول، تعيش المملكة العربية السعودية عصرها الذهبي فيما يخص استقطاب الاستثمارات الأجنبية. وبالعودة للوراء، استقطبت السعودية استثمارات أجنبية تقل عن ملياري دولار في العام 2004. فبحسب «الأونكتاد» بلغ متوسط قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للسعودية 245 مليون دولار سنويا للفترة الممتدة من 1990 إلى 2000. ويعتقد على نطاق واسع بأن التطور الايجابي الذي حدث في السنوات القليلة الماضية إنما حدث على خلفية الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وما صاحب ذلك من تحسينات وتطويرات للقوانين والتشريعات الاقتصادية للمملكة.
بعض المؤشرات الحيوية
واستنادا إلى التقرير، حلت السعودية في المرتبة رقم 51 في العالم (من بين 141 اقتصادا عالميا) في العام 2007 فيما يخص مؤشر الأداء الاقتصادي أو جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية المباشرة للفترة الماضية. وعلى هذا الأساس، نجحت المملكة في التقدم 15 مرة في غضون سنة واحدة، ما يعد انجازا ودليلا على قناعة المستثمرين الدوليين بأهمية ضخ أموال في الاقتصاد السعودي.
من جهة أخرى، حافظت السعودية على المرتبة رقم 28 عالميا على مؤشر الإمكانات الاقتصادية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ويستند هذا المؤشر إلى 12 متغيرا تتعلق بالأوضاع والسياسات الاقتصادية. ويعتبر مؤشر الإمكانات الاقتصادية أكثر أهمية من مؤشر الأداء الاقتصادي لسبب جوهري هو أن الأول يشير إلى المستقبل أما الثاني فهو للماضي.
إزالة المعوقات
يمكن للمراقب المنصف أن يرى بشكل واضح مواصلة السلطات السعودية لسياسية الإصلاحات الاقتصادية الأمر الذي يخدم العملية التنموية للبلاد. على سبيل المثال، وليس الحصر، فقد أقر المجلس الاقتصادي الأعلى بالسماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في مجالات جديدة متنوعة مثل خدمات التأمين والتجارة بالجملة والمفرق فضلا عن الخدمات الجوية.
بيد أنه لاتزال السلطات تمنع المستثمرين الأجانب من الاستثمار في بعض القطاعات الحيوية فيما يعرف بالقائمة السلبية. وتشمل هذه القطاعات صناعة النفط من حيث الاستكشاف والتنقيب فضلا عن تصنيع المعدات والمعدات والأجهزة العسكرية. أما فيما يخص قطاع الخدمات، فتشمل القائمة السلبية أو الأنشطة المستثنية أمورا مثل الاستثمار العقاري في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، خدمات الإرشاد السياحي ذات العلاقة بالحج والعمرة، خدمات السمسرة للعقار، الخدمات الصوتية والمرئية إضافة إلى صيد الثروات المائية الحية.
وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس، ليس كافيا أن تتم إزالة القيود عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة حتى يتم جلبها لبلد ما بالنظر إلى أن غالبية دول العالم تقوم بالخطوات نفسها. وتؤكد الدراسات أن المستثمرين الدوليين يرون أن هناك عوامل رئيسية تجذبهم للاستثمار في منطقة ما وتحديدا وجود البيئة التجارية وحجم السوق ونوعية البنية التحتية المتوافرة وإنتاجية العمالة. ويشمل مفهوم السوق المحلية إمكانية الوصول للأسواق الإقليمية.
معالجة التحديات
الأمر المؤكد هو أن هناك تقديرا عالميا متزايدا لأهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومساهمتها في حل التحديات الاقتصادية المحلية مثل إيجاد الوظائف وتعزيز المنافسة. وبحسب وزارة الاقتصاد والتخطيط، بلغت نسبة البطالة بين القوى العاملة الوطنية 11.2 في المئة أي 453994 فردا في النصف الأول من العام 2007.
إضافة إلى ذلك، وبحسب تقرير التنافسية الاقتصادية للعام 2008 والذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي قبل فترة قصيرة، تحتل السعودية المرتبة رقم 27 دوليا على قائمة أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم متأخرة مرتبة واحدة عن قطر التي حلت بدورها في المرتبة الأولى بين الدول العربية قاطبة. وقد تقدمت السعودية 8 مراتب في غضون سنة واحدة، ما يعكس نجاح سياسيات الإصلاحات الاقتصادية والهادفة إلى جعل الاقتصاد السعودي من بين أفضل 10 اقتصادات جذبا أو تنافسية في العالم.
ومن الممكن أن تصبح الرياض مركزا مهما للخدمات المالية في المنطقة بعد تدشين مشروع الملك عبدالله للخدمات المالية في العاصمة السعودية. ختاما، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يقفز حجم الناتج المحلي الإجمالي السعودي حاجز 500 مليار دولار في العام 2010 مقارنة مع 380 مليار دولار في العام 2007، والأمر المؤكد هو أن السعودية باتت المارد الاقتصادي للمنطقة تماما كما هو الحال مع الصين على المستوى العالمي
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ