يطل علينا عاشوراء اليوم، ليبدأ انطلاقة الذكرى التي تنتظرها جماهير المسلمين في كل عام... وكيف لا يكون ذلك، وهي مناسبة ارتبطت بشخصية تاريخية سجلت اسمها بأحرف راسخة في طيات الزمن، تتجدد عاما بعد عام، لأنها شخصية قدمت كل غال وثمين وأرخصته ليبقى اسم الإسلام مدويا ما بقي الليل والنهار.

المسيح يقولون على لسان مفكرهم أنطوان بارا لو كان الحسين (ع) منا لنصبنا له في كل أرض راية، والهندوس يقولون على لسان الأب الروحي والرمز الخالد غاندي الذي دون مقولته التاريخية: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر... السؤال الذي لايزال يحير الألباب ويشغل العقول هو: لماذا هذا الهيام اللاشعوري نحو الحسين (ع)؟ وكيف لا نهيم فيه وهو من وقف على وقع السيوف هازئا بالموت ومسلما النفس الزكية في رحاب الله، وهو يقول: إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني.

هو حسين الفكر، هو حسين الثقافة، هو حسين الوحدة الإسلامية، هو حسين العزة والكرامة، ولو أن الأمة تمسكت بما قدمه الحسين (ع) لما كانت أمة شتات لا يجمعها إلى التفرقة والعصيان والتمرد على بعضها بعضا والعالم ينهش فيها من كل جهة... ووسط هذا الزحام نسأل: هل نستحق تضحية الحسين(ع) بنفسه الطاهرة؟ هل نظرنا يوما إلى الحال الذي نعيشه وفكرنا فيما نحن عليه؟

غريب أمر هذه الأمة، وغريب أمر أولئك الذين يتغنون بولائهم للحسين (ع) وعندما تأتي إليهم تنظرهم يختلفون على أهم رمز للحسين، ويتفرقون على المنبر الحسيني واهمين بأنهم على حق... لو فكروا لحظة في أنفسهم، لماذا أقيم المأتم؟ بالطبع ستكون الإجابة من أجل الحسين وإعلاء كلمة الحق وإحياء سيرة النبي (ص) وأهل بيته وصحابته الأجلاء، ولو عادوا إلى أنفسهم مرة أخرى وسألوها؛ لماذا نختلف على ما ليس لنا؟ المأتم هو رمز الحسين وأسس ليكون ملكا أبديا للحسين يرتوي منه الناس بعلومه ويتأدبون بآدابه وينهلون من سيرته.

أين نحن من الحسين، وأين الحسين منا؟، لقد قتل الحسين وضرج بدمه لوحدة هذه الأمة وسلامة دينها، لقد قتل وسبي وقتل بنوه وأصحابه ليبقى لنا نحن المسلمين كلمة بين العالمين، ولكننا فرطنا بكل ذلك وأصبح همنا الحديث عن ذلك المذهب وهذا النهج، وامتهنا النبش في القبور وتكفير فلان وعلان.

دعونا نفتح صفحة جديدة، صفحة نصافح من خلالها نهج الحسين (ع)، نهج الوحدة والصفاء... فإذا استطعنا أن نصل إلى ذلك فمن حقنا أن نحيي ذكرى الحسين وأهل بيته، وإن لم نستطع أن نسير على خطى الحسين ونحقق أهدافه فليس من حقنا أن نحيي ذكراه الشريفة لأننا لسنا أهلا لإحيائها.