العدد 1598 - السبت 20 يناير 2007م الموافق 01 محرم 1428هـ

«كوندي» صارت بعثية!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

في يوم الجمعة الفائت بتاريخ 12 يناير/ كانون الثاني الجاري أقدمت قوات الاحتلال الأميركية على اعتقال إيرانيين في أربيل بحجة أنهم ضمن عناصر «الحرس الثوري الإيراني» التي تعمل على إثارة الاضطرابات داخل العراق عبر تسليح وتدريب عناصر الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق كـ «جيش المهدي» وغيرها، كما ادعت أنها حصلت في مكان اعتقالهم على خريطة لـ «تشييع» بغداد عبر ممارسة التهجير الطائفي والاعتقالات والاغتيالات لأهل السنة والجماعة من قبل فرق الموت والميليشيات الطائفية المسلحة.

ولم يأت هذا الحدث والخبر منفردا لوحده بل أتى في سلسلة من الأخبار بشأن تصعيد أميركي عدائي ضد المسئولين الإيرانيين والوجود الإيراني ككل في العراق، بالإضافة إلى تصريحات متعددة من قبل أكثر من مسئول أميركي وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جورج بوش بشأن خطورة الدور الإيراني في العراق، وضرورة القضاء على تنامي الدور الإيراني في العراق لما له من خطر كبير على وحدة العراق واستقراره واستقرار المنطقة ككل.

وكالعادة فإن من لمع ومازال لامعا نجمها في حروب الخراب وتصريحات الدمار والغطرسة والعجرفة والوعيد في الوقت الحالي وأوقات سابقة هي وزيرة الخارجية الأميركية الآنسة العانسة كوندوليزا رايس، بنظرات تقدح شررا، وسمرة فاقعة أقرب ما تكون إلى سمرة النفط ورائحته المصلحية من إفريقيا المجني عليها، وأناقة و»شياكة» لم تعد تضفي أي شيء، أو تخفف من غلواء و حدة تلك التصريحات أوالتهديدات المرمية والمقذوفة من واشنطن إلى كل حدب وصوب وكل فج عميق كوريا الشمالية، إيران، حزب الله، «حماس»، الصومال، أفغانستان وسورية وفنزويلا وغيرهم الكثير.

ما الذي تغير وطرأ فجأة؟!

هل أدرك بوش وإدارته وأزلامه مصلحة العراق والمنطقة للتو؟!

وهل تهديد مصلحة المنطقة وأمنها واستقرارها لا يأتي إلا من الجوار الإيراني التاريخي؟!

وهل استقرار المنطقة مفهوم وواقع مهموم لا يأتي ولن يتأتى إلا من خلال نطاق استراتيجي إمبريالي أميركي بحت، وعبر جهود أميركية خالصة تتطلب مددا لوجستيا من دول المنطقة لا أكثر ولا أقل؟!

تشير غالبية الدلائل إلى أن تلك التصعيدات الأميركية المفاجأة إجراء وتصريحا تأتي في سياق الدعوات الدولية لمطالبة إيران بإيقاف برنامجها النووي فورا، ولإرسال رسالة قوية إلى النظام الحاكم في طهران بأن ساعة المحاسبة والتسوية النهائية، بخصوص البرنامج النووي قد حانت، وهو ما يبدو أٌقرب ما يكون إلى ابتزاز معلن وخطوات إحراج دولي متتابعة من خلال اعتقال دبلوماسيين إيرانيين، ومحاولات استفزاز النظام الإيراني، وعزله دوليا وإقليميا، بتبني سائر الأكلاف لنزع وخلخلة الأحلاف، وإماتة الصفقات والمساومات الممكنة والمحتملة بين إيران وأي طرف إقليمي أو دولي.

وفي حين يراهن الكثير من المحللين والمراقبين أن ما يجب أن يتم تناوله في الوقت الحالي هو ما يتعلق بموعد وتوقيت وشكل وهوية الضربة العسكرية القادمة ضد البرنامج النووي الإيراني، يرى الكثير بأن شهر مارس/ آذار المقبل وتحديدا في نصفه الأخير قد يكون الأنسب والأكثر ورودا لتحقيق تلك الضربة.

وبعد أن ذبح الكبش العراقي فإن إيران، التي افتخرت واعتزت في أحد الأيام على لسان أحد من مسئوليها بأنها كانت السند الأولي للاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق، تعول كثيرا على تحالفاتها الاستراتيجية الإقليمية المعلنة بالدرجة الأولى مع «حزب الله» و»حماس» والنظام السوري، بالإضافة إلى الدائرة الواسعة من حلفائها وأتباعها والمتعاطفين معها في العراق.

كما أنها تجد نفسها في حاجة ماسة وشديدة إلى المطالبة من دول الجوار العربية المسلمة بالامتناع عن مساندة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها بدءا من الكيان الصهيوني في الحرب المنذرة ضد إيران بما فيها من تقديم خدمات مدد لوجستي، وتبني خطوات دبلوماسية غير عذراء شبيهة بتلك الخطوات التي مورست ضد النظام العراقي السابق وهو على شفير العزلة الدولية وهاوية الحرب!

للأسف تظل تلك المطالبات الإيرانية، والتي تصبح أحيانا املاءات إيرانية أشبه ما تكون بالخطاب الخشبي المجوف الذي تبناه النظام العراقي السابق في أيامه الأخيرة، وإن بدا أقل وطئا، فالكلام مهما قيل يظل كلاما ولا يغير شيئا من صورة الواقع المأساوي لشعوب مغلوبة على أمرها في أشباه دول أشبه ما تكون بالمكاتب والوكالات التجارية التابعة (لا يعول عليها) لإمرة الولايات المتحدة الأميركية، فلابد من أن يرتبط مثل هذا الخطاب بخطوات عملية ملموسة وتطمينات ومصارحات تكسبه قسطا كبيرا من الوضوح والصدقية.

في حين تعتصر الحيرة غالبية الرأي العام العربي (السني) صورة السياسة الإيرانية المزدوجة الوجهين، وإحدى هذه الوجوه هو ما يبدو للعيان وجها صبوحاُ مشرقا تنهض وتعتلي فيه إيران بدور يشبه قيادة الأمة العربية والإسلامية جمعاء عبر دعم حزب الله في وجه العدوان الأميركي - الصهيوني الأخير على لبنان، الذي أظهر فيها الحزب بقيادة سماحة السيدحسن نصرالله بطولة تاريخية نادرة بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء.

في حين نرى هنالك وجها آخر قبيحا ذو ملامح طائفية وقومية متشفية يطل على العراق، وهو ما يتمثل من تدخلات إيرانية واسعة في العراق عبر دعم عصابات فرق الموت وميليشيات التطهير العرقي والقتل على الهوية التي شمل وطالت تصفياتها وقذاراتها العراق بجميع أبنائه!

وعلى الضفة الأخرى، نجد للأسف هنالك انعكاسات هستيرية مرضية تعاقبت من حالة فقدان الثقة التاريخية بين الجوارين الشقيقين، فبتنا للأسف نرى من يرحب ويدعو باستمرارية الوجود الاحتلالي الأميركي في المنطقة لحماية أمنها واستقرارها، وتعقيم عروبتها وإسلامها من الميكروبات الخارجية الحاقدة!

بل نرى من لا يكاد أن يفرق بين الوجودين الإيراني الراسخ والأصيل من جهة، والوجود الصهيوني الاستيطاني الإحلالي الزائف في المنطقة من جهة أخرى كأنما هما وجهان لعملة واحدة صدئة!

ومن يتجرأ على القول بأن الخطر الصهيوني في المنطقة على رغم كل فظاعاته وبشاعته وعدوانيته يظل الخطر الأدنى والأقل شرا وشررا في مقابل خطر إيراني صاعد يهدد أمن المنطقة واستقرارها ووجودها العربي الإسلامي أكثر من غيره!

فالخطر الصهيوني - بحسبهم - مهما علا شأنه لا يعول إلا على صفقات واتفاقات اقتصادية وسياسية مربحة تتيح له أن يبسط أطرافه وراحتيه في المنطقة، وهو لا يتمتع بامتداد ديمغرافي شاسع يتيح له ممارسة المزيد من الاحتلال والاستيطان والتهجير في المنطقة كما مارسه في فلسطين المحتلة، ولا يتبنى خط (تصدير الثورة) والتبشير بها!

ومهما طال بنا العمر على مدى الأيام المقبلة، وفي سياق الهجوم «الدولي» المتواصل على الجارة والشقيقة إيران، فإننا وكما قال أحد الأصدقاء لن نتعجب من أن يأتينا النبأ حول أن وزيرة الخارجية الأميركية «كوندوليزا رايس» قد أعلنت نفسها «بعثية»!

أو أن «كوندي» تحذر من تدخل وتداخل «المد الصفوي/Safawi wave and intervention» في العراق والمنطقة! أو أن يقوم «قداسة» الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بإعلان التحالف الصليبي و»اليهودي» والإسلامي «البترودولاري» التاريخي ضد «المجوس» و»الصفويين» و....!

ولا مانع من أن يستشهد بوش «التقي» بعد ذلك بآيات من الذكر الحكيم من سورة الروم «ألم. غلبت الروم في أدنى الأرض. وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين» (الروم:5) مدشنا «قادسيته» ضد الفرس!

ليغني له بعدها شبح الشيخ إمام وفرقته:

«شـــرفت يا بــوش بابا يا بتـــاع العـــراق جيــت

عملولك قيمة وسيما سلاطين الفول والزيت

فرشولك أوسع سكة من راس التين على مكة

وهناك تنفذ على عكا ويقولوا عليك حجــــيت»

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1598 - السبت 20 يناير 2007م الموافق 01 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً