العدد 1598 - السبت 20 يناير 2007م الموافق 01 محرم 1428هـ

نبضات لبنان 5

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

نتيجة للاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني بتاريخ 15 مارس/ آذار 1978 حدثت حركة نزوح كبيرة إلى بيروت وضواحيها الأخرى. أخذ المهجرون الذين تركوا منازلهم وحقولهم في جنوب لبنان يتدفقون على بيروت بأعداد كبيرة. الذي لفت نظري كمراقب أنهم استولوا على البيوت والشقق الخالية بالقوة ومن الملاحظ أن حزب المرابطين اللبناني الذي كان يرأسه إبراهيم قليلات قد ساعد هؤلاء المهجرين في الاستيلاء على تلك البيوت. بحجة أنهم هاربون من جحيم الحرب وأن أعدادهم كثيفة وفي زيادة مطردة وأخبرني آنذاك محمد سعيد العطار مدير الاكوا لجنة غرب آسيا في بيروت أن هؤلاء النازحين قد استولوا على بعض مكاتب البرنامج التابع للأمم المتحدة ولم تستطع الجهات الأمنية اللبنانية إخراجهم من تلك الشقق إلا أن حركة 17 الأمنية الفلسطينية أخرجتهم منها.

وأذكر أنه في مساء 11 مارس 1978 أذاعت وكالات الأنباء العالمية عن عملية فدائية كبيرة قام بها الفلسطينيون في ضواحي تل أبيب لقد نزل إحدى عشر عنصرا من فدائي فتح في قاربين مطاطين على شواطئ تل أبيب واستولوا على أوتوبيسين وقتلوا 37 إسرائيليا. وعلى إثر ذلك أخذت «إسرائيل» تهدد وتتوعد إثر العملية الفدائية الناجحة التي شفت غليل الفلسطينيين اللاجئين في مخيماتهم البائسة في لبنان فهم يرددون أن بيوتهم في الشتاء هي غريق بفعل الأمطار وفي الصيف هي حريق بفعل الحرارة الشديدة.

وأذكر أنه في فجر 15 مارس 1978 شنت القوات الإسرائيلية هجوما كاسحا على الجنوب اللبناني ودارت معارك طاحنة وعنيفة بين القوات الإسرائيلية والفدائيين الفلسطينيين واستمر العدوان حتى 21 مارس أي لمدة أسبوع عندها أعلنت «إسرائيل» وقف إطلاق النار في الجنوب وأخذت القوات الدولية في التدفق إلى لبنان والوصول إلى بؤرة المعارك في الجنوب في 25 مارس 1978. وإنه بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان بعد يوم واحد استدعى وزير خارجية لبنان فؤاد بطرس رؤساء البعثات العربية في مكتبه بوزارة الخارجية هذا الاجتماع كان سريعا ومختصرا اذ طلب منا إحاطة حكوماتنا بهذا الاجتياح الإسرائيلي الكبير للجنوب وما تركه من دمار وخراب ونتائج وتبعات على لبنان كله.

وفي القاهرة اجتمع وزراء الخارجية العرب في 27 مارس 1978 لبحث الأوضاع المتردية في لبنان عامة. وما أشبه اليوم بالبارحة فكم من الاجتماعات التي عقدها وزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة العربية في القاهرة منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا. بينما هددت «إسرائيل» ثانية بمواصلة عدوانها إذا لم يتوقف الفدائيون الفلسطينيون عن قصف المستعمرات الإسرائيلية في شمال «إسرائيل». وأذكر أن وايزمن وزير الدفاع الإسرائيلي قد وصل إلى القاهرة بتاريخ 30 مارس 1979 إذ استقبله الرئيس أنور السادات ورحب بمقدمه.

و إزاء الأوضاع المتوترة في لبنان وجدت أن غالبية السفراء الغربيين المعتمدين في بيروت والذين نلتقيهم بين الحين والآخر يوجهون اللوم بشدة إلى الفلسطينيين وعلى أنصارهم من اللبنانيين. بحجة أنهم البادئون بالاعتداءات على حد قولهم على الأبرياء من سكان «إسرائيل» إلا أن بعض الدبلوماسيين العرب يحبون المناكفة والمشاكسة بقولهم أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع عسكري في تكوين جميع شرائحه وأن الجيش الإسرائيلي في حروبه مع العرب يعتمد على الجنود الاحتياطيين في القتال وهم قوامه وعدته ولا يدانيه في ذلك إلا الجيش السويسري ويغفلون تماما حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية وضياع أرضه ووطنه وتحوله إلى مجتمع لاجئين ومتسولين وأدركت أن الحوار معهم مهما استعملنا من موضوعية ومنهجية أقرب إلى حوار الطرشان. ولاحظت من خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعبين الفلسطيني واللبناني أن وكالات الأنباء الغربية والأميركية التي تخاطب الرأي العام الغربي لا تخرج في نشراتها الإخبارية الروتينية الباردة عن هذا الإطار والمتمثل في أن «إسرائيل» دولة ديمقراطية مسالمة تقع في بحر من الإرهاب والثورات والصراعات السياسية وهي تنشد السلام والأمن لمواطنيها الأبرياء ومن دون أن تذكر تلك الوكالات أو تشير إلى المصدر الأساسي للإرهاب والاغتيالات المنظمة لرموز النضال الفلسطيني وكذلك العنف في الشرق الأوسط. ومن السفراء الأجانب الذين كانوا يملكون دراية وتصورا لأصل النزاع العربي الإسرائيلي السفير الأمريكي باركر وهو مستشرق أمريكي أحب اللغة العربية وتمكن منها كتابة ونطقا والتصق بالتراث العربي وتعمق في دراسة التاريخ العربي القديم والحديث. وكان على إلمام واسع لبداية النزاع منذ انطلاق وعد بلفور المشؤوم والمتمثل في إقامة وطن قومي وديني في أرض فلسطين إنها أرض الميعاد كما يطلق عليها المشروع الصهيوني. وإذا وجدته متفهما جدا بطبيعة الصراع فإنه يبدي تعاطفا عظيما لما تعرض له الشعبين اللبناني والفلسطيني في جنوب لبنان ولا يخفي تضامنه مع الشعبين فيما حل بهما من كوارث ومصائب ولا يحاول أن يداريها كما يفعل كثير من الدبلوماسيين الغربيين الآخرين ولا مجال هنا للمقارنة بينه وبين السفير الأميركي الحالي في بيروت جفري فلتمن إنه أيضا يتكلم العربية بطلاقة وقد عرفته في تونس العام 1998 إنه دبلوماسي محترف وهو على عكس باركر المتدفق بالمشاعر وعفوية اللقاء وحميمته. ويذكرني هنا أن الإمام موسى الصدر مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عند لقائي به في دار الطائفة الشيعية في العاملية بعد الاجتياح الإسرائيلي الغاشم بجنوب لبنان وتشريد مواطنيه كان دائما يردد إن ما نسعى إليه أن يكون جنوب لبنان حصنا منيعا للحق ومنعة يفخر به العرب قبل اللبنانيين وأذكر أنه كان يردد يجب أن نكون بعيدين عن التحزب والتعصب الديني والطائفي. كانت شخصيته النافذة والحانية في آن واحد تشد زائره إليه وتجعله أكثر قربا منه. أشخص بهذه الصفات العظيمة يتعرض للخطف والاختفاء وذلك في 28 أغسطس/ آب 1978 وسأفرد لذلك موضوعا مستقلا وخصوصا أنني التقيته مرات عدة في بيروت وفي بعلبك مرتين. والفضل يعود في هذا إلى الصديق حسين الحسيني أمين عام منظمة أمل في توثيق علاقتي بالإمام الصدر فقد دعاني حسين الحسيني السياسي البقاعي اللامع مع سفير الكويت على غداء في منزله في بعلبك بتاريخ 19 يونيو/ حزيران 1977 إذ تشرفنا بلقاء الإمام كان أكثر من غداء إنه جولة أفق رحبة إذ فتح لنا الإمام صدره وتناول مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والأمنية في لبنان وضل اختفاءه قضية هامة شغلت الأوساط اللبنانية جميعا وحدث فراغ سياسي في الساحة اللبنانية بعد غيابه.

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1598 - السبت 20 يناير 2007م الموافق 01 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً