يذبحنا المثل السائر: « الحُسْنُ أحمر»... نرتضي التيه فيك عن طِيب خاطر... كيف لا وأنت المعلّم الأول في درس الدم؟ نرتضي السفر إليك وفيك... مثلا له في دنيا الناس قمّة القصْد، وذروة المثَل، وروعة البيان، وآية الشاهد؟
نُسْرج لك ماء من حرْقة القلب ما يدل على طول السبي، وزِمْنة الصَلَف، وعرَاقة النهْب، وحرفة الاقتلاع والمصادرة. نُسْرج لك من الشواهد ما يفيض على غدْر الإخوة، وسيرة الذئب، وملهاة الجبّ، وابيضاض العين من فقْدَين: فقدك في خذلان الموقف، وآخر لمّا يزلْ يفحّ بالتحريض عليك... شاهدا يربك تهتّكا لن ينعم بمجونه ما لم يتوهّم النيْلَ منك وأنت في ذروة عليائك، وأزل حضورك وبقائك.
أنهَكَنَا السفر في شيخوخة خيول وصدأ نصَال وأسنّة... أنهكنا السفر في غربة الأمكنة... أنهكنا السفر في الأبد الذي يدّعيه محتضرون وهالكون... أنهكنا السفر في سذاجة تدّعي أول الحكمة، وقلب الدراية، وخاتمة المسرى بالناس والمصائر... أنهكنا السفر و «الحُسْنُ أحمر» أنْ لا مأوى لنا في امتداد العراء وتناسله... أنهكنا أنْ لا طاقة لنا بكل هذا الفناء في ذات الله. سطّرتَ أروع شواهده ومُثُله، فيما نحن نحيا وهما بعرض الفقير من أملنا.
لنا في التحديق دِرْبَةٌ ودراية. فبماذا نُحدّق؟ في النحْر المفتوح على أفُق حريّات الناس؟ في نحْر الوَتَر المحْض، والغصن المشرئب في الحياة لطفل سبقه رُواء الدم قبل الماء؟ أم نُحدّق في مشهد التشفي؟ أنحدّق في رجولة المنتشين بوهم ماثل... حين يعمدون إلى بلاغة الترويع ونص الفزع؟ أنعمد إلى خلاعةِ نشوته وهو ينْكث بقضيبه ثنايا طالما انحنى نبي الأمة لتقبيل مسْكها... منتشٍ برياض ريحانها وأريجها؟ أنعمد إلى غدر الفلوات، وسياط مِحَنِها، وصلافة جلاوزتها ونكون بذلك في الذروة من التهمة: رفض تاريخٍ برجالات أمعنتْ في التعتيم على المُشرق منه، والوضَّاء من زواياه؟
كثيرون همُ الذين اتخذوا الليل جملا، بمعزل عن شِراك الفيافي والحصار وإشاعة الخذلان وشح الماء والناصر والتواطؤ الذي يكاد يسدّ عين الشمس. كثيرون هم... فيما الزمن الذي تسلّل إليه بعضٌ من ضميرك ومن إبائك يحتفظ بفتية «آمنوا بربهم» فزادهم هدى.
نِعْمَ الشاهد أنت وذروة حسْنه... نِعْمَ أحمرُ الموقف خلّفْت بما لا يدع مجالا للشك في ذلك الحُسْن، وروعة حمْرته.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1598 - السبت 20 يناير 2007م الموافق 01 محرم 1428هـ