التقيتها في فترة الانتخابات البحرينية الماضية، كانت ترتدي العباءة البحرينية وتجلس في الصف الأمامي في خيمة إحدى المترشحات الانتخابية.
إنها الحاجَّة أمينة، سيدة ستينية من سكان المنامة الأصيلين. جلست هناك معلنة أنها ستمنح صوتها الانتخابي لتلك المترشحة، على رغم أنها لا تعرفها من قبل، شعرت بفطرتها الخالصة بإيمان بهذه المرأة.
الحاجَّة أمينة لم تسمع ببرنامج التمكين السياسي للمرأة، ولا تعرف بالتأكيد عن الدورات التي نظمها لتدريب المترشحات. كما لا تعرف أيضا عن الآلاف التي صرفت في حملات دعائية منظمة استمرت شهوراَ لتوعية الناخبين - وهي منهم - بالمرأة والدفع نحو التصويت لها؛ ولأنها لا تمتلك جهازا للتلفاز أو الراديو، فبالتأكيد لم تشاهد أو تستمع إلى الإعلانات التي صممها البرنامج لتشجيع الناخبين على التصويت للمرأة.
على رغم كل ذلك، قررت الحاجَّة أمينة أن تصوت لتلك المرأة التي ترشحت في منطقتهم؛ لا لشيء إلا لأنها شعرت بأنها صادقة وتريد أن تخدمهم.
سألتها: «هل تثقين بأنها يمكن أن تقدم إليكم شيئا؟»، فقالت: «لا أريد شيئا، لم يبقَ من العمر أكثر مما مضى، فقط أشعر بأنها تستحق النجاح».
لم تعرف الحاجَّة أمينة - وهي تقول هذه الكلمات - أنها بذلك تكسر أحد أهم المبادئ الرئيسية التي بنى عليها برنامج التمكين التابع إلى المجلس الأعلى للمرأة عمله طوال السنتين السابقتين للانتخابات الماضية.
بدأ البرنامج بالاعتماد على فكرة مفادها أننا إن أردنا أن تنجح المرأة في الانتخابات، فعلينا أن نشتغل على وعي الناخبين «الغائب»، مبالغ طائلة صرفها البرنامج ليخلق هذا الوعي، وفي النهاية، لم تتمكن أي من المترشحات من الحصول على نسبة أصوات كافية تؤهلها للفوز بالمقعد النيابي.
بعض القريبات من البرنامج يقلن إنه «وضع كل البيض في سلة واحدة»، سلة «وعي الناخبين» وبنى عليه غالبية خطواته. وضع افتراضا رئيسياَ أن المجتمع البحريني غير واعٍ بدرجة كافية كي ينتخب المرأة، وصاغ برنامجا كاملاَ لمحاربة هذا الأمر. في الوقت الذي تناسى فيه أن المسألة أكبر من وعي الناخبين وحده، بل إن وعي الناخبين أحيانا، هو أبسط الهموم.
نموذج الحاجَّة أمينة - على رغم أننا لا نستطيع تعميمه - يلقي الضوء على جانب من «المأزق» الذي وقع فيه برنامج التمكين - إن صح التعبير -.
بدأ البرنامج بطموحات كبرى، وأمال عريضة، وحملات دعائية، ودورات تدريبية، تليها دورات ودورات، ثم فوجئ المنظمون بأن الوقت ينفد، وأن الانتخابات على الأبواب، فبدأ حملة إعلانية أخرى، تتدارك ما حصل، علها تُحدِثُ معجزة في «وعي الناخبين»، فيمنحون أصواتهم المترشحاتِ؛ ولأن أيا من المترشحات لم تتمكن من الفوز، فالوعي لايزال «قاصرا» إذا.
لا يمكننا أن نحمِّل البرنامج كل الأخطاء التي تمت بعد كل ما حصل، فجهده المشكور كان واضحا ونوعيا، ولكن من الواجب أن نقول إن مشكلة هيكلية كان يعانيها منذ البداية، إذ لم يكن ينظر من الزاوية الأوسع والأكبر من الصورة.
كان البرنامج بحاجة إلى أن ينظر إلى الحَراك السياسي في البحرين والقضايا التي يعانيها الناس، وكان عليه ألا يضع المترشحات في أنبوبة اختبار معزولة عن المتغيرات الخارجية كافة. كان البرنامج بحاجة إلى أن يتعرف إلى الحاجَّة أمينة؛ لتقول لهم إنها ليست بحاجة إلى من يقنعها بالتصويت للمرأة؛ لأنها اختارت أن تصوّت لها بإرادتها وبفطرتها وحدهما.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ