ثالثا: التشريعات الوطنية
تفتقد معظم الدول العربية إلى التشريعات التي يمكن الاستناد إليها لملاحقة المتهمين بجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية. ويضاف إلى ذلك تواطؤ الأنظمة السياسية وتسترها على الرسميين لمن يرتكبون جرائم ضد الإنسانية ومنها جرائم التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والنفي والتهجير الجماعي وجرائم الحرب المرتكبة بحق المدنين وتشمل استهداف المدنيين ومصادرة أرزاقهم والأهداف المدنية والبنية التحتية.
كلنا يعرف أن الكثير من الأنظمة العربية تسوغ لأجهزتها العسكرية والأمنية استخدام هذه الوسائل العنفية ضد معارضيها؛ لتوطيد سلطتها بالترهيب والقسر، كما أن استهداف المدنيين في الحروب والنزاعات المسلحة التي يشهدها أكثر من بلد عربي، أضحت شائعة.
نادرا ما نسمع عن ملاحقة مسئولين عسكريين أو أمنيين لجرائم ارتكبوها والتي تعتبر جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وفي حالات نادرة يتم تقديم جنود أو ضباط صغار لمحاكمات عسكرية مغلقة وتصدر بحقهم أحكام مخففة، بل ويجري العفو عنهم بسرعة فيما يجري التستر على كبار الضباط والمسئولين عن هذه الجرائم والتعايش معها. وحتى في البلدان التي شهدت تحولات مهمة للقطيعة مع الماضي المثقل لهذه الجرائم مثل: المغرب والبحرين والجزائر وموريتانيا، فإنه جرى بموجب عفو من قبل رئيس الدولة العفو عن هؤلاء المجرمين وتحصينهم ضد أي ملاحقة قانونية من قبل الضحايا أو النيابة العامة. وعلى الضد من ذلك ،فإن دولا أجنبية مثل الأرجنتين وتشيلي عمدت في محاولتها للقطيعة مع الماضي الأسود ومن أجل ضمان عدم تكراره إلى تشريع ملاحقة الرسميين المسئولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ومنهم ضباط كبار.
4. تشريعات بلدان أجنبية
هناك بلدان مثل: بلجيكا وألمانيا ونيوزيلندا تسمح تشريعاتها بملاحقة غير المواطنين الذين يتواجدون على أراضيها والمتهمين بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية. كلنا يعرف محاولات تقديم مجرم الحرب شارون إلى محكمة بروكسل في قضية مجزرة صبرا وشاتيلا، وبالفعل فقد تقدمت إجراءات المحاكمة، لكنها عندما وصلت إلى مرحلة إصدار النائب العام أمرا بالقبض على شارون، تحركت الولايات المتحدة وهددت بلجيكا بنقل مقر حلف الأطلسي من بروكسل، وتحرك اللوبي الصهيوني المؤيد لـ «إسرائيل» في جميع الدول الأوروبية للضغط على بلجيكا، وتراجعت بلجيكا وانعقد برلمانها بصفة طارئة؛ ليلغى التشريع الذي يسمح بمحاكمة المسئولين الأجانب. وذكر راجي الصوراني أن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وبدعم من تحالف حقوقي دولي حرك دعوى ضد الجنرال يعلون، رئيس الأركان السابق، كمسئول عن عدد من المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، لكن يعلون غادر نيوزيلندا، في ظل تلكؤ النائب العام عن الأمر بالقبض عليه وعلينا أن ننتظر محاولات تحريك دعوى ضد وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد وهيئة أركان الحرب الأميركية ممن تركوا الخدمة، أمام محكمة في ألمانيا، وذلك جراء الجرائم الأميركية المترتبة بحق المدنيين في العراق.
ما هو المطلوب من المنظمات الأهلية؟
ما هو المطلوب من المنظمات والخبراء الحقوقيين العرب للمساهمة بخطوة تقربنا من إحقاق العدالة بحق مجرمي الحرب والمجرمين بحق الإنسانية سواء أكانوا أعداء أجانب مثل الإسرائيليين والأميركيين، أم بحق مجرمين عرب ارتكبوا جرائم ضد أبناء شعوبهم؟ هذا ما جرى مناقشته من قبل المشاركين، وإن كان في ظل تبرم عدد من الرسميين العرب المشاركين بادئ ذي بدء أشار عدد من المشاركين إلى ضرورة تغيير الذهنية التي تتعامل معها الحكومات العربية مع المنظمات الحقوقية العربية، والتعامل معها كشريك وليس كعدو، وألا تتجاهلها في تصديها لهذه المهمة.
ومن المقترحات المقدمة ما يأتي:
1. انضمام الدول العربية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
2. إصدار أو تعديل القوانين القائمة لتجريم أعمال العدوان واستهداف المدنين في ظل الحروب والمنازعات، وتجريم مرتكبي جرائم ضد الإنسانية أو أعمال الإبادة البشرية، وعدم توفير أثية حصانة قضائية من ملاحقتهم.
3. التأكيد على استقلالية القضاء فعلا لا قولا، والتشريع لتمكين القضاء من مقاضاة كبار المسئولين، المتهمين في هذه الجرائم.
4. إقامة مرصد وطني عربي لرصد الانتهاكات الجسيمة من قبل جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
5. التشريع لإنصاف وتعويض الضحايا.
6. الاستفادة من تجارب البلدان التي عانت من حروب أو نزاعات مسلحة مثل: البوسنة والهرسك، إذ جرى تسليم بعض مجرمي الحرب للمحكمة الخاصة، أو بلدان مثل: الأرجنتين وتشيلي إذ طبقت العدالة الوطنية بحق المجرمين، أو جنوب إفريقيا إذ جرت محاكمات معنوية.
7. تعديل التشريعات والإجراءات لتأمين الحماية للصحافيين الذين يغطون الأعمال الحربية والمسعفين وأفراد الدفاع المدني الذين يقومون بواجبهم الإنساني، من استهدافهم، وقد قدمت تقارير موثقة بشأن استهداف هؤلاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق.
العبرة بالنتيجة
لاشك أن مؤتمر القاهرة خطوة في طريق الألف ميل، فمن الواضح أن الدول العربية تحصّن نفسها من ملاحقة مسئوليها المتهمين بجرائم أقل من جرائم الحرب، مثل: التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون والاعتقال التعسفي فمن المتوقع أن تحصّنهم ضد جرائم أخطر. وإذا كان الخطاب الرسمي العربي لا يتوانى عن إدانة «إسرائيل» لجرائمها ضد الشعب الفلسطيني واللبناني أخيرا، وهو شيء صحيح، إلا أنه غير مستعد حتى الآن في الاعتراف بالمسئولية العربية عما يلحق بالمواطنين العرب على أيد حكوماتهم ومسئوليهم. وبالنسبة للمنظمات العربية الحقوقية، فإن المطلوب منها أن ترتقي بأدائها نحو الاحتراف والمهنية والصدقية والتي لا تتعارض بل تتكامل مع النضالية، والوصول إلى مستوى من الصدقية والمهنية التي وصلت إليها المنظمات الحقوقية الغربية، يتطلب عدة متطلبات وشروط، وفي مقدمتها اعتراف الدول العربية بحقها في العمل المستقل، ودعمها، وخلق جو صحي للعمل الحقوقي الأهلي وخلق مناخ من الثقة بين الدول ومنظمات المجتمع المدني. كما يتطلب ذلك من القوى السياسية بما فيها المعارضة أن تستخدم المنظمات الحقوقية لمآرب نفعية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ