حين يرى أحدهم في تصريحه لإحدى الصحف يوم أمس الأول (الخميس) أن استراتيجية الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش هي «من الاستراتيجيات القريبة جدا من رؤية القوى العراقية، وفي مقدمتها الائتلاف العراقي الموحد» فلن يُلقي بالا لمن يجترحون النعوت بحقه، وهي نعوت تعبّر عن جانب مرئي وظاهر من ممارسة الرجل منذ الغزو الأنغلوأميركي للعراق، فيما يفوق الجانب المُغيّب والمُستتر عليه بمراحل ما تم التصريح به، على رغم أن مساحة كبيرة مما تم التصريح به لم يخل من استفزاز ليس لمشاعر العراقيين على اختلاف طوائفهم وعقائدهم، بل تجاوز ليشمل في استفزازه حتى المعارضين الأميركيين لسياسة المحافظين الجدد. مثل تلك التصريحات عملت عملها في تآكل صدقية الرجل بشكل ظاهر وباطن. أي محاولة لـ «كتابة» بورتريه للرجل تظل محفوفة بالفشل، ليس لأن كاتبها يفتقر إلى المعلومات وما وراءها، بل لأن الرجل نفسه قادر على التحول والتبدّل في مواقفه بصورة تدعو إلى الريبة من جهة، والإشفاق عليه من جهة أخرى. فقدَ الرجل وعائلته - مثله مثل آلاف العوائل العراقية - العشرات في إعدامات واغتيالات ارتكبها النظام الدموي السابق، وذلك وحده كفيل بمنحه حاسة إضافية لقراءة ما يحدث من موت مجاني وشائع يشهده العراق، عدا عن القتل على الهوية، وتورّط المليشيات في التعهد بإنجاز القوائم الطويلة من الاغتيالات، من دون أن ننسى الفظاعات والتجاوزات التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأميركي ضد الشعب العراقي. فظاعات أقامت الدنيا ولم تقعدها في الداخل الأميركي وخارجه، لكن يبدو أنها لم تحرك ساكنا فيه، بل تجاوز ذلك بدخوله في مزايدة غريبة على حالات التململ التي شاعت وامتدت في أوساط الطبقات المثقفة في المجتمع الأميركي. مثل هذه الممارسة القريبة من «الفُصام» والاضطراب في النظر إلى طبيعة وحقيقة ما يحدث على الأرض، يكشف عن مرحلة من الانتحار الذي يمكن تلمّس شواهده وما يدل عليه. وفي ذلك إساءة مضاعفة للطائفة التي ينتمي إليها، لأن التاريخ في هكذا مفاصل محرجة ودقيقة ومتوترة يطل برأسه من دون أن يستدعيه أحد، وليس بالضرورة أن يكون التاريخ بشواهده يقينا تحرُم مساءلته، بل باعتباره مُنبّها سيجرّ وراءه قائمة طويلة وعريضة من المنبّهات التي قد تؤدي في نهاية المطاف - لفرط إقامتها - إلى انتحار يرى فيه كثيرون خلاصا مثاليا!.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ