نعمت الكثير من الدول العربية تاريخيا بالنفط والغاز الطبيعي اللذين أصبحا المحرك الأساسي للتغيرات الاقتصادية التي حصلت خلال القرن الماضي. هذه هي الأخبار الحسنة، أما الأخبار السيئة فهي أن النفط والغاز الطبيعي هما الأساس الاقتصادي للعالم العربي، وما فشل العالم العربي في تحقيقه هو التنوع الاقتصادي. إذا كان لنا أن نستثني النفط والغاز من مختلف الاقتصادات العربية لـ 300 مليون شخص الذين نسميهم العالم العربي، فإن مجموع الناتج القومي الإجمالي لهم سيكون أقل من ذلك لفنلندا ذات العدد السكاني الذي يتجاوز الـ 5 ملايين بقليل. لقد فشل العالم العربي (باستثناء جيوب معزولة قليلة) فشلا ذريعا باللحاق بالنهضة الاقتصادية في معظم أنحاء العالم الأخرى. العالم العربي يكافح الآن لكي يلحق ببقية العالم، وينبغي أن تكون نقطة البداية بالنسبة له هي إصلاح النظام التعليمي. كان أداء التعليم العالي في العالم العربي قاصرا وأنتج خريجين يواجهون صعوبات في الاندماج ومواكبة الاقتصاد الذي يزداد عولمة (عالمية). وفي دراسة أجرتها مؤخرا المجموعة الدولية للخبراء المصنِّفين ومعهد سياسات التعليم العالي في واشنطن تبين أن هناك جامعة عربية واحدة فقط تقع في ذيل 3000 جامعة عالمية. نقيضا لذلك هناك جامعات إسرائيلية تقع ضمن أعلى 200 جامعة في القائمة. يبدو أن الحمض النووي للجامعات العربية ضعيف التكوين، ويبدو أن هناك حائطا فعليا بين الجامعات والعالم الحقيقي. ثقافة الجامعة لا تشجع على الفردية والأفكار الجديدة، والمناهج جامدة ومحمية. هناك حاجة ماسة لإصلاح النظام. الالتحاق بالجامعة، كما تبين لي في زيارتي للكثير من الجامعات العربية، يُنظر إليه كحق وليس امتيازا، وبعض الدول العربية تدفع رواتب شهرية لكل الطلاب الملتحقين بجامعات الدولة المعفاة من الرسوم بغض النظر عن احتياجاتهم المالية أو تخصصاتهم أو أدائهم الأكاديمي. هناك ضعف في مستوى تدريس العلوم الطبيعية والرياضيات بالمقاييس الدولية، ومعظم الجامعات العربية تدرس طلابها ماذا يفكرون بدلا من كيف يفكرون، وما لم تتغير هذه الذهنية فلن يظهر أمل كبير في الأفق. الدكتور هشام غصيب هو رئيس جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا في الأردن، وهو من أنصار التغيير في الجامعات العربية، وقد قال في مقابلة أجريت معه حديثا بأن تركيز المجتمع ينبغي أن يكون على تشجيع التفكير الحر، في حين أن النظام الحالي يعمل على تخريج طلاب «خاضعين لجميع قوى المجتمع».
إضافة لذلك فالكثير من الخريجين محدودي التركيز في دراساتهم وليس لديهم فرص تذكر لاستخدام تعليمهم الجامعي في مهنهم المستقبلية. هناك، على سبيل المثال، عشرات الآلاف من الخريجين في العالم العربي يتخصصون كل عام في الشريعة الإسلامية (القانون الإسلامي) أو اللغة العربية. الأغلبية الساحقة من هؤلاء لن يجدوا وظائف، ويعملون بجزء من طاقتهم أو وقتهم في القطاع العام المترهل فيسهمون بذلك في أعمال حكومات منتفخة وفاقدة الكفاءة أصلا. زيادة على ذلك فإن خريج كلية لا يجد عملا هو شخص تعيس ومحبط ومؤهل لأن يصبح مرشحا للتجنيد للعمل في سبيل قضايا أصولية.
يجب على مؤسسات التعليم العالي أن تنظر إلى احتياجات القطاع الخاص وتحدد الطلب المستقبلي في سوق العمل وتعديل المناهج وفقا لذلك. ويجب على الجامعات تقليص حجم برامج الدراسة أو تحديد الالتحاق بالبرامج التي لا يحتمل أن تحقق فائدة اقتصادية للمجتمع.
إن قيمة الجامعات الجيدة لا تقدر بثمن لأي مجتمع، وقد استفاد لبنان من وجود الجامعة الأمريكية في بيروت، وهي الجامعة التي أنشأها مبشرون العام 1866 كجامعة خاصة غير طائفية ومتخصصة في الفنون الحرة فأصبحت منارة تغيير في لبنان وسائر أنحاء الشرق الأوسط، وقد ظل الالتزام بتفكير ناقد وتعليم ناجع في مجال الفنون الحرة، ولا زال، في صميم رسالتها. بيد أن الجامعة الأميركية في بيروت، وللأسف، هي مجرد واحدة من الاستثناءات القليلة في العالم العربي. يجب على البلدان العربية إدماج التعليم العالي في تخطيطها الاستراتيجي، ويجب أن تكون هناك شراكة بين القطاع الخاص والقائمين على النظام التعليمي. يتعين على الجامعات العربية التركيز على التخصصات الموجهة للسوق. هناك ميل لدى الحكومات العربية لإدارة الجامعات، وربما كان إعطاء الحرية للقطاع الخاص لإنشاء جامعات وكليات خاصة هو خطوة في الاتجاه الصحيح. يجب أن تخدم الجامعات الاقتصاد الوطني وتقوم بتدريب قادة المستقبل الذين سيقومون بتحويل المنطقة لتنويع اقتصاداتها ومساعدتها في اللحاق اقتصاديا ببقية العالم. حتى الآن لا زال الأداء تعيسا، وهناك حاجة ماسة للإصلاح، فالنفط لن يبقى إلى ما لا نهاية.
*عميد تنمية الموارد في كلية هاريس للسياسات العامة في جامعة شيكاغو والمقال ينشر بالاتفاق مع «مصباح الحرية»
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ