العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ

المنظمات الإسلامية غير الحكومية جزء لا يتجزأ من المجتمعات المسلمة

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

من السهل جدا طرد المنظمات الإسلامية - سواءٌ أكانت داخل العالم المسلم أم في الغرب - كتلك التي تنتمي إلى الأحزاب التي تدافع عن الإسلام السياسي، على خلاف المنظمات الإسلامية الأخرى التي لا انتماء سياسيا لها على الإطلاق.

في أحسن الأحوال، توصف هذه المنظمات بـ «الشبكات الخيرية»، ما يعني أن تقع في مركز أدنى من المنظمات العَلمانية غير الحكومية التي تؤمِّن عادة الخدمات نفسها. أما في أسوأ الحالات، فهي تعتبر واجهاتٍ لأنشطة التخريب والإرهاب.

وغني عن القول إن حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وما تلتها من تطورات عالمية، عززت الكثير من هذه الأفكار.

في الحقيقة، انتشرت هذه المفاهيم الخاطئة بشكل واسع، لتشمل النشاطات الحكومية والحكومية الدولية الإسلامية، والنشاطات الإنمائية الخاصة بالمنظمات غير الحكومية، فخلقت بذلك عقباتٍ أمام العمل الإنمائي الإسلامي، وجعلت توفير الخدمات الأساسية أكثر تعقيدا حتى للحالات الإنسانية التي تكون بحاجة ماسة إليها. هذه الشكوى قدمتها الإغاثة الإسلامية - مرارا وتكرارا - في نداءاتها الكثيرة إلى المجتمع الدولي، إلا أنه من غير المعروف في العالم الغربي، حقيقة أن وسائل تنظيم الدعم الاجتماعي غير الحكومية هي أمر تقليدي في معظم أنحاء العالم.

ففي الامبراطوريات المسلمة، فُرِضَت الضريبة على المسلمين، وهي الزكاة. وعلى رغم أنها غالبا ما كانت تذهب إلى خزائن السلطة المركزية، إلا أنه في بعض الحالات، كانت تمنح أجزاء من هذه الزكاة، إضافة إلى الصدقة (وهي التبرعات الطوعية)، للمبادرات المجتمعية والمحلية (غالبا المساجد)، التي كانت تنظم بأهداف خيرية وحاجات اجتماعية. فعليا، إن هذه المبادرات هي ما نطلق عليها اليوم اسم المنظمات غير الحكومية.

يعتبر هذا العطاء تقليدا بارزا في البلدان حيث تكون هياكل الدولة المركزية الموجودة ضعيفة و/أو متأثرة سلبا بعملية شل مدفوعات الدين الخارجية، أو بمتطلبات التعديل البنيوية على صندوق النقد الدولي، أو بمسائل النزاع.

لقد أبقت الكثير من المناطق في لبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلة، والصومال، وجنوب السودان، والعراق، وغيرها، تأمين الخدمات الأساسية لشعوبها في السراء والضراء؛ لأن لديها هذا التقليد وهو العمل كمنظمات غير حكومية.

كانت هذه المنظمات غير الحكومية - جميعها وبطرق مختلفة - تؤمّن بعض الاحتياجات في حال لم تستطع المنظمات الحكومية توفير الخدمات الأساسية. كما يبرز دور هذه المنظمات غير الحكومية في المجتمعات التي تحتاج إلى البقاء، وأيضا بطرق مختلفة.

كما أن هذه الشبكات الخدماتية تدعم الدول المناضلة؛ لأنها تنجز مهمات تعجز الدول نفسها عن إنجازها، وتشكل منتديات اجتماعية مهمة تبقي المجتمعات على وعي، وعلم، واتصال، وبهذا وبطرق مختلفة، تبقيها متمكنة.

في البلدان التي تمزقها الصراعات الداخلية، من غير المألوف أن نجد أنه في الوقت الذي تقتل المجتمعات بعضها بعضا، داخل العيادات والمدارس، يتعايش أعضاؤها. ففي لبنان مثلا، في أوج الحرب الأهلية عندما قاتل المسلمون والمسيحييون بعضهم بعضا، ومن بينهم، الكثير من أطفالهم كانوا يذهبون إلى المدارس الكاثوليكية نفسها ويجلسون جنبا إلى جنب. أما في العراق - مباشرة بعد الغزو الأميركي - فكانت المساجد والكنائس تساعد المحتاجين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي.

إن هذه الأمثلة ليست للقول إن فقط المجتمعات الدينية تخدم في العالم الإسلامي؛ ففي الواقع، يقدر عدد المنظمات غير الحكومية (دينية وغير دينية) في العالم العربي وحده، بعشرة آلاف منظمة. إلا أن الخلفية الإسلامية مهمة لتوضيح سبب سعي المنظمات الإسلامية المعتدلة - التي لديها شبكات خدمات اجتماعية منظمة جيدا ومنتشرة - إلى حشد دعم سياسي كبير، هي بالإجمال صفقة ناجحة، ولا ينبغي التقليل من أهميتها أو إساءة فهمها كما هو حاصل اليوم.

إن هذه القدرة على تأمين الخدمات الاجتماعية للجميع، بغض النظر عن العقيدة أو الانتماء الطائفي، هي بالضبط ما تميز المجموعات الإسلامية المختلفة؛ فعلى سبيل المثال، هي تميز بين المجموعات المعتدلة سياسيا، ومجموعات أخرى أكثر تطرفا. هذه الأخيرة لا يهمها توفير الخدمات الاجتماعية، إذ تسعى وراء القوة العسكرية من خلال حوادث مذهلة من العنف.

من الأهمية بمكان، كسر دائرة التعميمات حول المنظمات غير الحكومية في الدول ذات الغالبية المسلمة، التي يمكنها في حد ذاتها أن تؤدي إلى أنشطة سرية بدلا من المساعدة الإنمائية الشرعية، وتؤثر بذلك سلبا على عملية تأمين الخدمات الأساسية. يشمل هذا المنح والتمويل، إلى جانب تعاونات وشركات المنظمات غير الحكومية.

إن النظر بعمق داخل هذا التقليد الخاص بالمنظمات غير الحكومية، وضمن المنظمات الإسلامية، يؤمن فكرة أوضح عن هوية النظراء الإنمائيين ومن ينبغي أن يكونوا، والأساس الذي عليه ستنشأ العلاقات البناءة والفاعلة.

كبيرة مستشاري المكتب الإقليمي للدول العربية في نيويورك،

والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً