يبدو أن ظهور تكنولوجيا الشبكات اللاسلكية بعيدة المدى واسعة الموجة (الواي ماكس) أصبح يشكل تهديدا لعروش ومستقبل شركات الاتصالات التقليدية. تلك هي التي خرج بها المشاركون في مؤتمر ومعرض هونغ كونغ للاتصالات الذي نظمه الاتحاد الدولي للاتصالات خلال الفترة من 4 إلى 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وأدركت مثل هذا التحول شركات المحتوى الإلكتروني مثل “غوغل” وغيرها فبدأت في إنشاء بنية أساسية خاصة بالشبكات اللاسلكية الواي ماكس وشرعت في شراء شركات خاصة بالبنية الأساسية وهو اتجاه جديد تقوم فيه شركات المحتوى بشراء شركات الاتصالات لأن المهم هو الخدمة المعرفية التي ستتاح للمستخدم.
والسبب الذي أدى إلى انتشار الرعب في صفوف شركات الاتصالات التقليدية، وهو نمط الشركات الأكثر سيادة في المنطقة العربية، هو عدم قدرة هذه الشركات على تلبية الخدمات التي بات يطالب بها المستخدون. هناك قائمة طويلة من تلك الخدمات التي في وسعنا أن نسردها، لكننا يمكن أن نكتفي بخدمات مثل الاتصال الصوتي عبر الإنترنت (VOIP).
إذ تعتبر تقنية الاتصال الصوتي عبر الانترنت من الخدمات الجديدة في صناعة الاتصالات حاليا، وذلك لسهولة استخدامها، واقتصاديتها على المستخدم مقارنة بكلفة الاتصال عبر شبكات شركات الثابت والمحمول في العالم.
وفي العالم العربي، وعلى رغم قلة مستخدمي هذه الخدمة مقارنة مع الدول الأخرى، فإن هذه التقنية قادمة وبقوة في ظل توسع شبكات النفاذ في العالم العربي بقيادة تقنية خطوط المشتركين الرقمية (DSL).
وتعتبر كل من شركتي فونانج وسكايب من أشهر الشركات الجديدة التي تقدم خدمة الاتصالات عبر الانترنت، فعلى سبيل المثال تقدم شركة سكايب تقنية الاتصال الصوتي والمرئي عبر الانترنت مجانا، وكذلك توفر الشركة إمكان الاتصال من الانترنت على أي هاتف شخصي في العالم سواء كان ثابتا أو محمولا أو العكس، مقابل رسوم رمزية.
وسجلت هذه الشركة رقما قياسيا في حجم المكالمات التي تمت عن طريقها، إذ بلغت ما يقارب المليار دقيقة في شهر واحد، وبلغ معدل الاشتراك في هذه الشركة مئتي ألف مشترك أسبوعيا وذلك تحديدا في أواخر العام 2005م، ما جعل لعاب كثير من الشركات العملاقة يسيل بغية التهامها، وهذا ما حدث فعلا، إذ قامت شركة (EBay) بشراء هذه الشركة الناشئة بقيمة مليارين وستمئة مليون دولار.
بالمقابل تشجعت شركات خدمات الانترنت الكبيرة مثل ياهو ومايكروسوفت بتقديم وتطوير خدمات مضافة إلى عملائها من خلال هذه التقنية، وذلك بتخويلهم للاتصال الصوتي والمرئي من خلال الانترنت باستخدام الماسنجر.
لكن كون شركات الاتصال عبر الانترنت تشكل تهديدا واضحا لشركات الهاتف الثابت، لا يعني إطلاقا أن شركات الهاتف المحمول ستكون بأحسن حال من أختها، إذ بدأت شركات جديدة لتقديم خدمات الاتصال عبر الانترنت من خلال أجهزة الهاتف المحمول، وذلك بسيناريوهات مختلفة، ومن بين تلك الخدمات ما أصبحت تقدمه شركة (ipdrum) من خلال تحميل برنامج صغير في الهاتف المحمول، إذ يخول صاحبه من توجيه المكالمات إلى الانترنت بدلا من شبكة المحمول، وذلك ضمن نطاق المنزل أو المكتب. وترتكز هذه الخدمة على فرضية أن الزبون أو المستخدم بات يقوم بمعظم اتصالاته من جهازه المحمول في هذين النطاقين.
وعلى النطاق العالمي، تنتشر خدمة الاتصال الهاتفي عبر الانترنت بشكل كبير في دول جنوب شرق آسيا، وتليها أميركا ثم أوروبا وذلك حسب أبحاث مؤسسة فورستر، التي تشير إلى أنه وبحلول العام 2015م فإن 85 في المئة من الاتصالات في العالم ستتم عبر هذه التقنية الجديدة.
لكن ذلك لا ينبغي أن يدفعنا نحو إهمال أسواق واعدة مثل الأسواق الإفريقية، ومن بينها الدول العربية بطبيعة الحال. فمعظم الدول الإفريقية تسير اليوم نحو تحرير أسواق الاتصالات وترقية القوانين المنظمة لعمل شركات الاتصالات بهدف خلق بيئات استثمارية مشجعة لشركات الاتصالات العالمية، فقد باتت منطقة إفريقيا تعد واحدة من أهم الأسواق في العالم سيما أن كثيرا من الأسواق العالمية وصلت إلى ما يمكن أن يعد مرحلة الإشباع في مجال الاتصالات. وقد انعكس هذا الزخم الذي تشهده أسواق الاتصالات في الدول الإفريقية في معرض وملتقى إفريقيا تيلكيوم ‘’تيليكوم إفريقيا 2004’’ الذي عقد في القاهرة. والمعرض هو السادس الذي يعقده الاتحاد الدولي للاتصالات في إفريقيا، وقد استقطب اهتماما بالغا نظرا إلى ما باتت تحظى به تقنيات الاتصالات والمعلومات التي أصبحت عنصرا أساسيا في عملية التنمية، لاسيما في الدول النامية الساعية لتضييق الفجوة الرقمية بينها وبين العالم المتقدم. ووفقا لما صرح به أمين عام الاتحاد الدولي للاتصالات يوشي يوتسومي، - الجهة المنظمة للمعرض - فإن “السوق الإفريقية تشكل منبعا لفرص استثمارية كبيرة، وذلك لما تشهده أسواق الاتصالات في الدول الإفريقية من نمو لاسيما في ميادين الاتصالات المحمولة والإنترنت’’.
وقد حققت شركات الاتصالات العاملة في إفريقيا عائدات طائلة من تشغيلها لشبكات الهاتف المحمول تخطت عتبة العشرة مليارات دولار أميركي (انظر الشكل). بيد أن الاتحاد الدولي للاتصالات أشار إلى أن دول القارة مازالت بحاجة إلى مزيد من العمل على صعيد القوانين الناظمة لعمل شركات الاتصالات إلى جانب تعزيز تحرير أسواق الاتصالات فيها.
وقدرت التقارير، التي نشرها الاتحاد الدولي للاتصالات على هامش مؤتمر ومعرض إفريقيا تيليكوم 2004، حجم الأرباح التي حققتها شركات المحمول في إفريقيا بما يقارب المليار دولار خلال العام 2003. كما أشارت التقارير إلى أن نحو 70 في المئة من مجموع المشتركين في خدمات الاتصالات من الأفارقة يستخدمون الهاتف المحمول. وهذا يفسر تحقيق الشركات الكبرى العالمية المزودة لتجهيزات شبكات الاتصالات عائدات بلغت 5 مليارات دولار منذ العام 2000.
عائدات المحمول في إفريقيا تكسر عتبة العشرة مليارات دولار
ومن القضايا التي ركز عليها الاتحاد الدولي للاتصالات خلال الملتقى المسألة المتمثلة في أهمية دفع صناع القرار الأفارقة للتحول من التركيز على المنافسة إلى التركيز على مسائل أخرى أكثر أهمية مثل تعزيز اتصال الشبكات المختلفة مع بعضها بعضا، وطرح تراخيص جديدة لإدخال لاعبين جدد إلى سوق المحمول في دول القارة.
ما يهم في هذه الجانب أن بعضا من شركات الاتصالات عندما بدأت عوائدها المالية تنخفض من جراء تقنية الاتصال عبر الانترنت قامت بمحاربة هذه التقنية بالنواحي الفنية والقانونية، بينما بادر البعض الآخر من شركات الاتصالات بالمسارعة في دعم تراخيص هذه الخدمة وتقديمها، وكذلك بالتحول التدريجي في تغيير شبكاتها الرئيسية إلى هذه التقنية من خلال بناء شبكات الجيل القادم. يؤكد نمو سوق الاتصالات في الشرق الوسط التقرير الذي انتهت من إعداده أخيرا (في النصف الأول من شهر يناير/ كانون الثاني الجاري) شركة الأوراق المالية والاستثمار (سيكو) والذي أكدت فيه أن “قطاع خدمات الاتصالات في دول الشرق الأوسط وإفريقيا يشهد نموا كبيرا جدا وذلك كنتيجة لارتفاع معدلات دخل الفرد وكذلك الزيادة في معدلات نفاذ الاتصالات وعمليات تحرير أسواق قطاع الاتصالات”.
ويلقي التقرير الذي تم اعداده من قسم الأبحاث في «سيكو»، الضوء على قطاع الاتصالات في المنطقة ويقدم مقارنات تحليلية للمنافسة.
وتؤكد “سيكو” من خلال التقرير أن قطاع خدمات الاتصالات في دول الخليج وبشكل أوسع في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشهد نموا غير مسبوق وذلك كنتيجة لعمليات تحرير الأسواق وازدياد المنافسة. ومع ازدياد وانتشار عمليات الاستحواذ في دول الشرق الأوسط وإفريقيا بدأت شركة الاتصالات المتنقلة بالتحول نحو العالمية.
يؤكد هذا النمو أيضا تقرير آخر نشرته “مجلة الاقتصاد والأعمال” أن عدد المشتركين في خدمات الهاتف النقال والثابت لدى شركات الاتصالات العربية المدرجة في البورصة بلغ في نهاية العام 2005 نحو 92.4 مليونا. وبيّن التقرير أن مجموع أرباح هذه الشركات بلغ خلال العام ذاته نحو 7.9 مليارات دولار.
ويشير التقرير الذي يتضمن ترتيبا لشركات الاتصالات العربية المدرجة تعده الاقتصاد والأعمال للعام الثاني على التوالي، إن شركات الاتصالات العربية حافظت العام 2005 على أداء قوي وسط معدلات نمو مرتفعة شملت معظم المؤشرات وعلى رأسها عدد المشتركين. إلا أن ارتفاع حدة المنافسة وتزايد حالات التشبّع في بعض أسواق المنطقة، دفع معظم الشركات الى التوسّع الخارجي واقتناص رخص اتصالات أكثر جدوى خارج البلدان العربية. كما شهد العام الماضي تحقيق بعض الشركات العربية انجازات مهمة على طريق تحولها الى شركات عالمية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1596 - الخميس 18 يناير 2007م الموافق 28 ذي الحجة 1427هـ