العدد 1596 - الخميس 18 يناير 2007م الموافق 28 ذي الحجة 1427هـ

الالتزام بالقانون الإنساني الدولي «حالتا فلسطين ولبنان نموذجا»

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

بدعوة من المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان والمنظمة العربي لحقوق الإنسان عقد حديثا مؤتمر في القاهرة بشأن «حالتي فلسطين ولبنان نموذجا» وقد كان مقررا عقد المؤتمر في أواخر يوليو/ تموز 2006، فيما كانت الحرب الإسرائيلية ضد لبنان في أوجها متزامنة مع الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة الغربية. لكن ولأسباب غير معلنة جرى تأجيله، وقد يكون السبب ضغوط أميركية على مصر على أية حال ،فإن عقد المؤتمر ولو متأخرا خطوة مهمة على طريق محاكمة القادة الإسرائيليين للجرائم الإسرائيلية المستمرة، منذ قيام دولة «إسرائيل» على أنقاض الكيان الفلسطيني والشعب الفلسطيني في مايو/ أيار 1948 بل امتد ليشمل جرائم الولايات المتحدة، شريك «إسرائيل» في حروبها واعتداءاتها، ضد العرب، وجرائمها في العراق منذ فرض الحصار على الشعب العراقي في 1990 مرورا بالغزو الأميركي للعراق، وانتهاء باحتلال وشن حرب مفتوحة على شعبه، والتسبب في الانقسامات العميقة في صفوفه والتي تطورت إلى ما يشبه الحرب الأهلية، ونزيف رهيب تجاوز الـ 600 ألف قتيل. دعي للمؤتمر أطراف ثلاثة معنية بتفعيل القانون الدولي الإنساني في عدد من الدول العربية وهي: الممثلون الرسميون في وزارات العدل والمجالس الاستشارية لحقوق الإنسان، وخبراء القانون الدولي الإنساني، وممثلي المنظمات الأهلية لحقوق الإنسان. ومثل المؤتمر فرصة جيدة لحوار هذا الأطراف ليس فقط عن انتهاك «إسرائيل» للقانون الدولي الإنساني وسبل تجريمها دوليا لكنه امتد الى الحوار حول تطوير التشريعات الوطنية، والمؤسسات القضائية الوطنية بحيث تتمكن من ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب ضد الإنسانية، من المسئولين في أجهزة الدولة، وكذلك الخارجين على سلطة الدولة.

جرائم «إسرائيل» في لبنان وفلسطين

لاشك أن الشعب اللبناني والفلسطيني هما أكثر مَنْ عانى من الحروب الإسرائيلية المنكرة، والاعتداءات الإسرائيلية اليومية، المنتهكة بشكل فاضح قواعد القانون الدولي الإنساني وما يعرف تحديدا باتفاقات جنيف الأربعة، حول قواعد الحرب المقبولة دوليا، وخصوصا اتفاق جنيف الرابع المتعلق بحماية المدنيين والممتلكات المدنية والبنى التحتية المدنية . منذ قيام «اسرائيل» في 1948 وطرد أغلب شعبها الفلسطيني ومصادرة أراضيهم، وتدمير القرى، وإحلال مهاجرين يهود من شتى بقاع الأرض واستجلابهم الى «إسرائيل» واتباع سياسة شن الحروب والاعتداءات المتتالية ضد الشعب الفلسطيني للاستيلاء على مزيد من أراضيه وإجباره للخضوع، وكذلك شن الحروب على البلدان المحيطة بفلسطين إما للتوسع على حسابها أو لإجبارها على التخلّي عن دعم الشعب الفلسطيني الشقيق. أما اعتداءات «إسرائيل» باستخدام سلاح طيرانها الضارب فقد امتدت من بغداد إلى تونس، حتى مصر التي انعقد المؤتمر في عاصمتها عانت من حروب «إسرائيل» واعتداءاتها واحتلالاتها منذ 1948 حتى 1979، عندما سلّمت بإقامة علاقات سلم وتعاون مع «إسرائيل» على حساب التزاماتها القومية تجاه فلسطين والدول العربية الأخرى ضحية الاحتلالات والاعتداءات الإسرائيلية. وقد هدد القادة الإسرائيليون، وخصوصا قائد الأركان الجنرال دان حالوس الذي استقال الثلثاء الماضي، خلال الحرب الأخيرة على لبنان بأنه سيرجع لبنان 50 سنة إلى الوراء. ولا شك أن هناك أسبابا جوهرية وراء الحصانة الاستثنائية التي يتمتع بها قادة «إسرائيل» ودولة «إسرائيل» من أية محاسبة دولية من جرّاء انتهاكاتها الفاضحة للقانون الأولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاق جنيف الرابع. ويعود ذلك لعدد من الأسباب أهمها:

أولا: قصور التشريعات الدولية المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ذكر القاضي نبيل العربي (أحد قضاة المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة) أن هناك قصورا في اتفاق جنيف الرابع، وهناك حاجة لتطويرها وخصوصا ما يتعلق باستخدام سلاح الطيران وهو السلاح الضارب لـ «إسرائيل» ويدها الضاربة في حروبها واعتداءاتها. أما شريف بسيوني (الذي وضع مسودة نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية) فقد أكد غياب الإطار التشريعي الجامع لمصادر القوانين الثلاثة وهي: القانون الدولي لحماية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، وفجوات فيما بينها، وتفاوت في تعريف الانتهاكات. إضافة إلى إعادة تفسير القانون الدولي سلبيا كحال الولايات المتحدة لإعادة تفسير اتفاق مناهضة التعذيب، لتبرير ما يجري في غوانتانامو. في هذا الصدد فإن «إسرائيل» هي أكثر دولة تتجاهل تطبيق القانون الدولي، وتسوغ الحروب والاغتيالات والحصار الاقتصادي، وتهديم ممتلكات المواطنين والبنية التحتية لفلسطين المحتلة العام 1967 مصادرة بذلك الأراضي الفلسطينية والموارد المائية، وفي الوقت ذات تسميمهم المياه والأراضي الفلسطينية. وفي هذا الصدد قدم المحامي راجي الصوراني رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عرضا بجرائم «إسرائيل» في فلسطين المحتلة، وجهود الفلسطينيين لملاحقة قادة «إسرائيل» قضائيا. وفي حربها الأخيرة ضد لبنان، فإنها استباحت القواعد الدولية للحروب والنزاعات واستخدمت الأسلحة المحرمة دوليا وسياسة العقاب الجماعي واستهداف المدنيين بحجة تحرير جنديين جرى أسرهما بغرض استرجاع اللبنانيين لأسراهم لدى «إسرائيل». قدم رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان المحامي نعمة جمعة عرضا موثقا لمجازر «إسرائيل» في لبنان خلال الحرب الأخيرة والتي بلغت 57 مجزرة. واستفادت الجمعية في توثيقها لهذه المجازر على شهود عيان وإفادات الضحايا وأقاربهم، والمسعفين من الصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر اللبناني وجمعيات الإغاثة الأخرى. ولفت نعمة الانتباه إلى أن «إسرائيل» خلفت وراءها مئات الآلاف من القنابل العنقودية التي لم تنفجر وهذه تفتك يوميا بالمواطنين في حين أن «إسرائيل» رفضت تسليم خرائط بموقع هذه القنابل كم سبق لها أن رفضت تسليم خرائط الألغام التي خلفتها خلال احتلالها للبنان.

ثانيا: اللجوء إلى التشريعات الدولية القائمة.

هناك مجموعة من التشريعات الدولية المعنية بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومن أهم هذه التشريعات:

1. اتفاقات جنيف الأربع للعام 1945

وتتعلق بسلوك المتقاتلين في البر والبحر وحماية المدنيين في الحرب وحماية أسرى الحرب. لكن المشكلة تكمن في غياب آلية لمحاسبة المجرم وإنصاف الضحية، كما لا توجد محكمة دولية لإنقاذ هذه الاتفاقات. وعلى رغم أن «إسرائيل» طرف في هذا الاتفاق ،فإنها لا تحترمه أبدا.

والوسيلة المتاحة للضحية لإثارة قضيته على المجتمع الدولي من خلال هذه ألألية هو الطلب من البلد المضيفة لاتفاقات جنيف وهي سويسرا، بالدعوة لانعقاد الدول الأطراف في اتفاقات جنيف للانعقاد، واتخاذ موقف تجاه حدث حربي معين جرى فيه انتهاك الاتفاق. وقد عرض راجي الصوراني (فلسطين) ما قام به الفلسطينيون في هذا الصدد. بناء على طلب السلطة الفلسطينية ودول عربية وإسلامية، عقد المؤتمر الأول لأطراف اتفاقات جنيف في 15يوليو/ تموز 1999، لكن المؤتمر علق أعماله بعد مرور 15 دقيقة بضغط أميركي. وكررت السلطة الفلسطينية المحاولة في العام 2001، اذ استمر المؤتمر 6 ساعات لينتهي من دون اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين الفلسطينيين ومحاسبة المسئولين الإسرائيليين. وطرح عدد من الخبراء ضرورة صياغة اتفاق جنيف الخامس كآلية لتنفيد اتفاقات جنيف الأربع.

2. محكمة العدل الدولية

تعتبر محكمة العدل الدولية آلية متقدمة لإحقاق العدالة الدولية، وتعتبر قراراتها ملزمة إذا ما قبل الطرفان المتخاصمان اللجوء إليها. لكن «إسرائيل» لن تلجأ للمحكمة بالطبع. ألا ان مجلس الأمن الدولي وفي مناقشته لجدار الفصل العنصري الإسرائيلي، طلب من المحكمة رأيا استشاريا، فأفتت المحكمة بأنه ينتهك بخطورة حقوق الشعب الفلسطيني كشعب تحت الاحتلال وينتهك حقوقهم الإنسانية كبشر وطالبت بإزالته. لكن «إسرائيل» وحلفاءها تجاهلوا قرارات المحكمة.

3. المحكمة الجنائية الدولية

تعتبر المحكمة الجنائية الدولية تطورا مهما لإحقاق العدالة ليس فقط ضد الدول بل المنظمات والأفراد الذين يرتكبون جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم ضد الإبادة البشرية. ويقتصر تفويض المحكمة على الدول التي تصدق على نظام المحكمة والمواطنين المنتمين لهذه الدول. كما أن المحكمة لا تنظر في القضايا بأثر رجعي من تاريخ تصديق الدول الطرف. يذكر أنه باستثناء الأردن وجيبوتي وجزر القمر، والأخيرتان دولتان هامشيتان، فإن باقي الدول العربية غير مصدقة على اتفاق المحكمة، بما في ذلك لبنان، والذي ضيع على نفسه فرصة ثمينة لمقاضاة «إسرائيل» أمام المحكمة. وناشد بسيوني الدول العربية بالانضمام إلى اتفاق المحكمة؛ لأن ذلك يتيح لها أن يكون من بين قضاة المحكمة وأعضاء النيابة العامة مواطنون عرب، وتمكن الدول العربية ومواطنوها من اللجوء للمحكمة لمقاضاة المجرمين بحق الإنسانية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1596 - الخميس 18 يناير 2007م الموافق 28 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً