العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ

انخفاض مستوى الحريات في البحرين... إلى أين نحن سائرون؟

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

منذ فترة ليست بالوجيزة لم تتوقف البيانات والتقارير والتقييمات العامة والتفصيلية الصادرة عن المراكز والمنظمات الدولية المهتمة بالدفاع عن الحريات العامة والخاصة، والمعنية بمراقبة مدى التطور الديمقراطي الحاصل عالميا عبر منظور مستوى تلك الحريات، وهو المنظور الأساسي الذي لا يمكن لأي بنيان ديمقراطي أو أي بنيان متوازن اجتماعيا أن ينهض ويستوي من دون الاتكاء على قاعدته التأسيسية من الحرية والمساواة.

هذه المخاطبات العليا والموجهة من المنظمات الحقوقية العالمية ربما تكون قد أجمعت على تراجع تصنيف ومستوى الحريات العامة والخاصة في البحرين عالميا وحتى عربيا، بعدما كان في موقع متقدم له اعتباره بين بعض تجارب إلـ «دمقرطة» الرائدة في المنطقة بما فيها تجربة الكويت الشقيقة والأردن والمغرب وغيرهما.

وربما مع استمرار توارد وتدفق تلك التقارير أفواجا وفجاجا، فإننا وكبحرينيين أشد ما يقتلنا ذعرا هو أن تتهشم أسطورة «المرتبة الأولى» التي تميزت بها بلادنا إقليميا وعالميا على جميع الأصعدة والأنشطة والمجالات بما فيها ريادة اكتشاف النفط والتعليم النظامي، وانتهاء بريادة الفوز الرياضي في سباق إسرائيلي بواسطة العداء المنزوع الجنسية حاليا «مشير سالم جوهر»، لتكون ميادين الحريات العامة والخاصة هي منازع أخروية لتلك الأساطير البحرينية الريادية التي لن تجد حينئذٍ من يجمع هشيمها، فالحريات التي تعطي للأنظمة الديمقراطية بريقها، والتي تلامس شغاف الفطرة الإنسانية الحية كما لو أنها يد عاشق، لا يمكن أبدا أن تقدر بثمن طالما أنها الأخرى لم تتحوّل إلى امتهان وابتذال وتعدٍّ على حقوق الآخرين بالحجارة أو قنابل «المولوتوف»!

المثير في الموضوع هو أنه وعلى رغم ما تسببه تلك التقارير الصادرة من مؤسسات لها مكانتها واعتبارها الدولي، من إحراج متواصل ومتزايد، فإنه حتى ساعة كتابة هذا المقال لم تلق التصنيفات المتأخرة للبحرين في مجالات الحريات المتنوعة اهتماما رسميا معلنا أو حتى تعقيبا أو تعليقا له صداه، بحيث يعكس نوعا من الاهتمام أو القلق البنّاء، عسى أن يدحض أو يثبت حقيقة وصدقية ما يتم نشره وتداوله بشكل واسع، وهو ما يحدو إلى التساؤل عن البوصلة التي قد تتجه إليها الصيرورة الديمقراطية اجتماعيا وسياسيا في المملكة، ومدى اتساع وثبات خطوات المشروع الإصلاحي الذي يحظى برعاية جلالة الملك المفدى.

هذه الصيرورة وذلك المشروع الحضاري الإنساني بلاشك لا يعني أن يكون بمثابة وليمة ترضية (غوزي) وقد اجتمع حولها فرقاء الأمس والحاضر وانفضوا من حولها كلٌّ على نيته وحجم خاطره وباله!

بل إنه ومن المفترض لجديتها وصدقيتها أن تتجاوز عن كونها مثلا ردة فعل إجرائية عابرة على معطى اقتصادي متأخر، أو حتى ربما شرط تغير استراتيجي يترقب مرحلة وحقبة معينة، فالإصلاح والمصالحة و «الدمقرطة» اللتي نفهمها ونألفها في تجارب عالمية عريقة رايات خفاقة لحل تقني اجتماعي سياسي له صيرورة متواصلة في التقدم، بدل أن تتلبسها حال شبحية أعرافية طقوسية، وإن كانت تلك التجارب قد مرت بما يشبه الارتدادات والتقلبات التي لم تثنها عن المحافظة على استواء خطها ومجازها.

ما نود أن نشير إليه هو أنه لا حاجة هنا الى التذكير بأنه من مصلحة الصيرورة الديمقراطية وأي مشروع إصلاحي هو ألا يبتلى بداء الاستثناءات التي سرعان ما يشب عودها وتصبح أم القواعد وفيصل المتغيرات، وأن تكون هناك رقابة مستمرة لصيقة ورديفة من قبل الجانب الرسمي ومنظمات المجتمع المدني للتعرف على مدى التقدم المرحلي في محور تلك الصيرورة، وقلب هذا المشروع بعيد المدى.

كما أنه ليس حلا ناجعا ومجديا أبدا اللجوء إلى التقليل من شأن تلك التصنيفات والبيانات الصادرة، التي تتمتع باهتمام واسع واحترام دولي كبير، أو حتى التزام الصمت حيالها أو التهرب من مواجهتها، وهو ما سيؤدي إلى تراكم لن يصب في رصيد التجربة وإنما سيؤثر على سمعة هذه التجربة الريادية إقليميا وعالميا في بلد يحظى بكوادر ومؤهلات متنوعة تقلب كل الموازين.

ما ينبغي الإشارة إليه هو أن التراجع في مستوى الحريات العامة والخاصة هو أمرٌ ملموسٌ شهده المواطن قبل المراقب، بما تميّز في قوانين مقيدة للحريات بشتى أنواعها، بالإضافة إلى إغلاق عدد ليس محدودا من المواقع الإلكترونية، وأبرزها إبداع وزارة الإعلام في منع وحظر تداول وتناقل واقتباس كتاب المناضل الوطني الراحل عبدالرحمن الباكر، والذي يعتبر سجلا حافلا لأزهى صور الذاكرة الوطنية بمآثرها التضامنية، وهو ما يعد حرمانا من اللجوء إلى هذا الملتجأ البسيط في وقت تغض الأنظار عن خطابات تسميم طائفية رائجة في سوق النخاسة السياسية والانتكاسة القيمية الحضارية بمقدار رواج أغاني «الفيديوكليب»، تتقاذفها أمواج الحقد الأسود ذات اليمين وذات الشمال!

وفي الوقت الذي يجد البعض المتنفذ الفرصة سانحة أمامه لتأطير و «تحزيم» المجتمع البحريني بأهليّه ومدنيّه قبليا وطائفيا وعائليا إن أمكن للتذرع بعدها بأنها أطر أمن واستقرار وأحزمة سلامة وعافية حين النزوح صوب الديمقراطية، عسى ألا «ترَيف»!

أما بخصوص أية جهود «ليبرالية» متبنية وراعية تبذل لذلك من باب صيانة الحريات العامة والخاصة، فهي لا تزال للأسف، وفي غالبيتها، أشبه ما تكون بالشراذم النخبوية، التي لم تبلغ حتى الآن ساعة التمييز والإدراك بين أولوية الحرية العامة أو الخاصة، لتظل معاشرة لمأزقها الذاتي بالغ العراقة، رافعة بكفتي ميزانها الوضع الدستوري في كفة، وفي الكفة الأخرى قدح الحريات الخاصة، والذي كاد أن يبلغ فيه الزبد الفوار بمداه الشهبا!

وكخطوة أولية ناجعة لمعالجة مسألة الحريات العامة والخاصة في البحرين ومستقبلها «الواعد»، فإن ما ينبغي المراهنة عليه دون الجانب الرسمي هو جانب مستوى تنمية الفعاليات الشعبية، وبالأخص جانب «المجتمع المدني» المنوط به احتضان وتنشئة قيم ومبادئ الحريات جماعيا، فلا يمكن التعويل على بعض خبراء ومستشاري التأزيم، وممتهني التملق الدبق، والتحذلق في ترقية الشعب ونخبه سياسيا! أو السكوت أمام مشهد حرث التربة الشعبية، وتخصيبها بأفضل المخصبات العضوية والكيماوية المتحصلة لاستنبات شعب آخر وطائفة جديدة من البشر، ممن يؤمن بأن التعاقد الاجتماعي هو مقايضة ومساومة ولائية لا أكثر ولا أقل، وبأن الديمقراطية والإصلاح يتم حصادهما مثل «الفقع» أو الكمأة في البراري الرطبة!

أين نحن سائرون في مرحلة الصيرورة الديمقراطية المتواصلة، وما هو مستقبل المشروع الإصلاحي بعد ذلك؟! وأي مستوى معتبر للحريات، خاصة وعامة، سيكون حينئذٍ والصمت وعدم الاكتراث لا يزال مطبقا ومتواصلا، لكأنما الصيرورة التحولية والمشروع الإصلاحي هما لدينا وليمة دافئة وانقضت؟!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً