العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ

مارس 1978... أجواء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

الاجتياح الإسرائيلي الأخير للبنان في يوليو/تموز 2006 هو الأخطر والأوسع من حيث الدمار والخراب، وهو ما يذكرني باجتياح مارس/ آذار 1978، عندما كنت أعمل دبلوماسيا في بيروت بدءا من مطلع 1977 ولمدة ثلاث سنوات.

إنها لكارثة أن يختلط دمار منازل القرى مع ما ينبعث من روائح من جثث الضحايا المطمورة تحت أنقاض المنازل المتهدمة وخصوصا كبار السن والعجائز، الذين لم يستطيعوا النزوح عند بداية القصف والاجتياح، فبعضهم مات جراء القصف، ونزف الكثيرون منهم الدماء حتى أسلموا الروح. ولا أغالي إذا قلت ان لبنان هو «ترمومتر» المنطقة لما يحدث فيها من تحولات وتوازنات وحسابات إقليمية ودولية. إنها ساحة واسعة للعبة الأمم، وليس لدى الدولة اللبنانية في الوقت الحاضر كما يظهر للمراقبين أي تصور متكامل لمستقبل الجنوب، فما بالك بإعادة إعماره بدل التعويل على مبادرات فردية تريد إصلاح منازلها المدمرة. وشمل دمار الحرب مناطق واسعة من القرى والمدن.

في 12 يوليو2006 بدأت «إسرائيل» حربها المعدة والمقرّرة سلفا على لبنان، مدعية أنها جاءت بعد خطف حزب الله لاثنين من جنودها على الحدود مع لبنان. وكانت قبل هذا التاريخ المشؤوم غارقة حتى أذنيها في حرب مدمرة ومتواصلة على الفلسطينيين العزل في غزة والضفة الغربية.وهذه الجبهة الحربية الجديدة مع لبنان لم تخفف من ضراوة الحرب والدمار ضدهم. لقد أصبح القطاع سجنا كبيرا للفلسطينيين مثل الضفة الغربية، إذ سرقت «إسرائيل» أموال الضرائب التي تحصلها للفلسطينيين وصادرتها، وهي تقدر بالملايين. ويفترض بحسب القوانين والأعراف الدولية المرعية أنها تعاد إلى السلطة الفلسطينية. وكذلك سممت مياهه وجرفت أراضيه الزراعية وأصبح الفلسطينيون أمة من المشردين يستجدون المساعدات من أشقائهم العرب، ومن هذا الغرب الظالم، ومن منظمات الإغاثة الدولية.

تعود بي الذكرى إلى الاجتياح الإسرائيلي في مارس1978، إذ كنت أقيم في منطقة الرملة البيضاء في بناية نديم الدجاني، التي تحيط بها عدة فنادق مثل الانتركنتيننتال والبوريفاج والمطعم الصيني الفخم والأندية الصحية الترفيهية والسياحية. وتطل هذه البناية على ثكنة فخر الدين الكبيرة التي ترابط بها قوات الردع السورية. ومن الدور الحادي عشر هناك سطح واسع تابع لهذه الشقة التي أقطنها، وكنت أرقب بالعين المجردة الطائرات الحربية الإسرائيلية في تلك الفترة في عز النهار وهي تقصف منشآت مدنية في منطقة الأوزاعي القريبة من منطقتنا، وكذلك مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة. وعلى امتداد البصر تقوم الطائرات الحربية الإسرائيلية بطلعات متواصلة وتطير على مستوى منخفض، كما أن راجمات الصواريخ وقذائف المدفعية الموجهة والمنصوبة على كثير من أسطح العمارات السكنية المرتفعة باستثناء عمارتنا لاعتبارات أن دبلوماسيين يقطنونها. كما لاحظت اشتعال الحرائق الكبيرة نتيجة الغارات التي صاحبت الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان، وأصبحت غارات الطيران الإسرائيلي على مشارف بيروت.

هذه المضادات الجوية اللبنانية والفلسطينية لن تفلح ألبتة في إسقاط أي طائرة إسرائيلية، وبقيت تسرح وتمرح في الأجواء اللبنانية. وعلى رغم ان نيران قذائفها المتواصلة كان أفراد تلك القوات يرصدون الطائرات المغيرة بالمناظير المكبرة، ويزداد إطلاق النار ليلا بصورة كثيفة ومرعبة، ولا يمر يوم إلاّ وتقوم هذه الطائرات باختراق الصوت المدوي الذي أصبح أمرا معتادا لكل القاطنين في لبنان، فتعايشوا معه كأنه أمر واقع وروتين يومي لا فكاك منه، وشر لا مجال لدفعه.

وكانت الزوارق الحربية الإسرائيلية تجوب السواحل اللبنانية، وتفرض عليه حصارا محكما، وتهاجم زوارق الصيد اللبنانية وتقطع أرزاق الصيادين وقوت عيالهم. هذه الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة أعادت إلى ذهني مصير السيادة اللبنانية الوطنية ومن يحميها من هذا الاختراق بل والمصادرة لسيادتها، وتساءلت في مارس 1978 مثل غيري من الدبلوماسيين المعتمدين لدى لبنان: أين اتفاق الهدنة الموقع في 1949 بين لبنان و»إسرائيل»؟ ولماذا لا تلتزم «إسرائيل» به كمرجعية قانونية؟ وأين الترتيبات الأمنية المتبادلة بين لبنان و»إسرائيل» والمتعلقة بمراقبة الحدود بين البلدين. و»إسرائيل» تدعي أن ما تقوم به لا يعدو أن يكون حماية لأمنها ودفاعا عن النفس.

وحز في نفسي أن لبنان، هذا البلد العربي الصغير والجميل والمستهدف، لا يجد دعما أو مساندة من الدول العربية إلاّ بعد أن يقع العدوان ويحل به الدمار كما حدث أخيرا. والدول العربية مع الأسف لا تملك استراتيجية موحدة في هذا الشأن، وفي لبنان اليوم قوات دولية متعددة الجنسية يفترض أنها تخضع للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، مهمتها حفظ السلام ونشر الأمن، والا تتحول هذه القوات الأوروبية في معظمها إلى قوات ردع وهجوم حسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتصبح أداة للتدخل الأجنبي في شئون لبنان كما هو الحال في العراق وأفغانستان، وهذا ما توحي به الحوادث السياسية المتلاحقة والمتسارعة في لبنان في الوقت الحاضر، آملا أن لا تكون توقعات المراقبين السياسيين من عرب وأجانب سوى تخرصات لا تصدق مثلها مثل توقعات الأرصاد الجوية في كثير من الأحوال.

في 8 مارس 1978 زارني رجل الأعمال البحريني عبدالله كسيسو يطلب مساعدة السفارة في البحث عن باخرة تجارية تحمل حاويات وبضائع لتجار بحرينيين وله فيها نصيب، ويفترض وصولها لأحد موانئ لبنان، وكان ميناء بيروت الرئيسي قد توقف عن العمل خلال الحرب الأهلية، وعلمنا أن الباخرة المطلوبة رست في ميناء طرابلس اللبناني. وهناك موانئ غير شرعية كالتي كانت تديرها الجبهة اللبنانية وجبهات لبنانية أخرى مناوئة لها. لذلك نجد الأسواق اللبنانية زاخرة بمختلف البضائع والمواد التموينية من جميع بلاد العالم لاعتمادها على البضائع المهربة.

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1595 - الأربعاء 17 يناير 2007م الموافق 27 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً