العدد 1594 - الثلثاء 16 يناير 2007م الموافق 26 ذي الحجة 1427هـ

محمد علي التسخيري والتقريب

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

التقيت الشيخ محمدعلي التسخيري أكثر من مرة في مؤتمرات عامة داخل المملكة وخارجها وكان دائما يحظى على إعجابي فيما يطرحه من أفكار وآراء تهدف إلى جمع كلمة المسلمين، وكان آخر لقاء لي معه في مملكة البحرين وفي مؤتمر مناصرة الرسول (ص).

في هذا المؤتمر جلست مع الشيخ مع بعض الزملاء في غرفته وتحدثنا طويلا عما يباعد بين السنة والشيعة وكيفية تقليص ذلك التباعد، وقد سمعت منه كلاما جميلا فوق ما كنت أعتقد فقد أكد أن أئمة الشيعة في كل تاريخهم كانوا على علاقة جيدة مع أئمة السنة كما أكد أن ما يقوله البعض من سوء في حق الصحابة إنما هو من الجهلة تماما مثل ما يقوله بعض المتشيعين للسنة في تكفير الشيعة.

كان الكلام متشعبا لكنه كان جيدا، والشيخ التسخيري - لمن لا يعرفه هو الذي يهتم بمسألة التقريب بين المذاهب الإسلامية ومنذ سنوات طويلة، وهو كذلك من المقربين من السيدالخامنئي ويحظى بثقته، كما أنه حريص جدا على حضور كل المؤتمرات التي لها علاقة بالحوار أو التقريب أو ما شابه ذلك من موضوعات تهم العالم الإسلامي.

أذكر هذا كله لأقول إن الشيخ محمدعلي التسخيري لديه إمكان كبير لعمل شيء له قيمة في مجال التقريب بين السنة والشيعة في هذه الظروف السيئة التي تمر بها بلادنا العربية، ولكن الشيخ التسخيري - كما أرى - لم يفعل ما كنت أتمنى أن يفعله.

الولايات المتحدة تعمل كل ما تملك لتفرقة بين المسلمين بغية تحقيق أهدافها في بلادنا العربية والإسلامية، هذه التفرقة تكون أحيانا بين أصحاب المذاهب المختلفة وأحيانا بين أصحاب الأحزاب المختلفة، وأحيانا بين أصحاب المصالح المختلفة، وهكذا تبذل أميركا كل ما بوسعها لتنفذ من خلال هذه التفرقة إلى مصالحها ثم تضرب بالحائط - أو بسواه من أدوات الضرب - كل من وقف معها إذا رأت أن فائدتها منه قد انتهت.

في العراق فتنة طائفية قاتلة راح ضحيتها عشرات الآلاف، وقد استطاع الأميركان تسخير طائفة من الشيعة لتنفيذ مآربهم في العراق وشجعوهم ووقفوا معهم في قتل آلاف السنة وتهجير آخرين من مناطقهم.

أعرف - كما يعرف غيري - أن هناك من يفعل ذلك من السنة، وأعرف أن الأميركان والبريطانيين يمارسون الدور نفسه أحيانا لإذكاء روح الفتنة بين الطائفتين، ولكني أعرف أيضا أن الشيعة يقومون بالدور الأكبر في هذه العمليات مدعومين بالسلطة الواسعة التي يملكونها حاليا، والمؤسف في هذا أنهم يحققون بهذه الأفعال مصالح محتلي بلادهم والأكثر أسفا أنهم لا يدركون - أو لا يريدون أن يدركوا، أن مكانتهم الحالية قد تكون لها نهاية قريبة وأن الدائرة قد تدور عليهم.

والأميركان يمارسون الدور نفسه - ولو بصورة مختلفة - في لبنان، فهناك صراع بين التيار الشيعي ومن معه وبين التيار السني ومن معه أيضا، وقد اجتهد الأميركان - ومن معهم - في محاولة إضفاء طابع المذهبية على هذا الصراع الذي لا يعرف كيف ستكون نهايته وأي كوارث تنتظر اللبنانيين من جرائه.

وفي فلسطين - أيضا - يبذل الأميركان وحلفاؤهم كل قواهم لإيجاد حرب أهلية في ذلك البلد - وقد رأينا بوادرها - هذه الحرب التي لو نشبت فإن فكرة الدولة الفلسطينية قد تنتهي إلى الأبد ويومها ستنفرد «إسرائيل» بالمنطقة العربية كلها وسيتحقق عندها الحلم الإسرائيلي الذي قاومه الفلسطينيون طويلا.

إيران ليست بعيدة عن كل ما يجري سواء على أرض الواقع أو كما يقول الأميركان وسواهم.

الإيرانيون متهمون في العراق وفي فلسطين وفي لبنان وإن كانت هذه الاتهامات تتفاوت قوتها وصفتها بين دولة من تلك الدول الثلاث وبين دولة أخرى منها.

لا يجهل أحد التأثير الإيراني القوي في العراق فالحكومة العراقية الحالية وكثير من القياديين البارزين فيها وفي سواها لهم ولاء عميق لإيران ومن هنا كان ينبغي على إيران أن تفعل شيئا لإيقاف الحرب المميتة بين الطائفتين؛ السنة والشيعة.

من أجل ذلك كنت - شخصيا - أرى أن الشيخ محمدعلي التسخيري كان عليه أن يفعل شيئا له قيمي حقيقية على أرض الواقع مادام قد خصص معظم حياته لعملية التقريب.

إن من أهم وسائل هذا التقريب - الحقة - أن يتحدث الشيخ بوضوح عن حرمة الدم المسلم، وأن يطلب بصراحة من حكومة المالكي - ومن يدعمها - أن يتوقفوا عن ذبح السنة وتهجيرهم وأن يطلب من السيدالخامنئي أن يكون له دور واضح في هذه المسألة التي لا تحتمل التأجيل. هذا العمل - لو تم - فإنه سيكون من أقوى دلالات التقريب وسيكون تأثيره أقوى من كل المؤتمرات التي عملت طيلة عشرات السنوات الماضية.

إيران كان بإمكانها أن تمنع مسرحية قتل الرئيس العراقي السابق بتلك الطريقة التي أظهرت الحقد الطائفي المقيت، ولو أنها فعلت لأطفأت فتنة كبيرة بدأت بوادرها بصورة واضحة، ولو أنها فعلت لما أعطت صدام حسين تلك المكانة الكبيرة التي حظي بها بعد مقتله.

الصمت الإيراني لم يعمق الفتنة الطائفية فقط لكنه أيضا قد يشجع الأميركان على فعل شيء في إيران وفي لبنان مستغلين الغيظ الهائل في نفوس السنة على ما يجري في العراق وعلى من يقف وراءه.

إن الوضع السيئ الذي يمر به عالمنا العربي وخصوصا في العراق ولبنان يجعل مهمة الشيخ التسخيري في غاية الأهمية، كما أنه يجعل الحديث عن التقريب على المحك فإما أن ينتهي إلى غير رجعة وإما أن يكون في أحسن حالاته، وإن كان في مثل هذه الحال فإن بلادنا العربية ستكون في أحسن حالاتها كذلك.

أعداء الإسلام عموما وأعداء بلادنا العربية خصوصا يعملون بكل الوسائل على إضعافنا والاستيلاء على ثرواتنا وللأسف هناك من يساعدهم من أبنائنا على تحقيق غاياتهم، فهل يكون التقريب واحدة من أهم الوسائل لتحقيق وحدة للأمة وقوتها؟ أرجو ذلك...

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1594 - الثلثاء 16 يناير 2007م الموافق 26 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً