في الحقيقة ما كان لي أن أصمت حيال ما حدث في الساحة المحلية جراء إعدام رئيس جمهورية العراق السابق صدام حسين! وما ترتب على ذلك من واجب التيار القومي ممثلا بجمعيتي التجمع القومي والوسط القومي الإسلامي في إقامة مجلس العزاء! إن أول ما تبادر إلى ذهني: أين التحالف الرباعي؟! والذي شكل قاعدة أساسية لقوى المعارضة الوطنية في الساحة المحلية؟! وقد كان التيار القومي وسيظل دائما أحد أركانه الصلبة بصلابة قوة مبادئه؟! ثم أين قوى اليسار والليبراليين؟! وأين قوى التيار الإسلامي، وجميعهم يناهض التدخل الأجنبي والهيمنة الأميركية؟! ومن أعدم صدام حسين هو التدخل الأجنبي والاحتلال الأميركي! أين الانسجام مع جوهر المبادئ؟! أم أننا نتصرف وفق عواطفنا في أمور تستلزم الترفع عن العاطفة والمزاج؟! إن الساحة المحلية على صعيد العمل السياسي لا تحتمل هذا النهج وخصوصا بين صفوف المعارضة... وإن علينا أن نتذكر ونذكر بعضنا بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية... هذا إضافة إلى عامل مهم وأساسي اجتمعت عليه جميع الأطراف... معارضة وموالاة وحتى السلطة وهو دمقرطة ساحة العمل السياسي... وإذا كنا نحن الجبهة الشعبية قيادة وقواعد لا نعي ولا نتعلم ولا نلتزم بأبجدية الديمقراطية على صعيد الساحة المحلية! فإن العواقب لاشك وخيمة علينا جميعا!
إنني أصلّي من أجل أن تكون زجاجات المولوتوف (التي استعملت ضد جمعية التجمع القومي حين إقامة العزاء) من نوع آخر يختلف عما استعمل ضد “دورية الشرطة”! مع مراعاة العنصر الإنساني في كل الأحوال... إلا أن مقر “التجمع القومي” كان يعجّ بالمواطنين المعزين! فـ “التجمع القومي” جزء وشريحة مهمة وأساسية في جسم المعارضة السياسية والساحة المحلية - والحمد لله - لا ترتسم فيها ولا علاقة لها بقضايا خارج مساحتها كقضية “الدجيل والمقابر الجماعية!”، بل إن التيار القومي (بتعدد أطيافه) في الساحة المحلية كان عبر نصف قرن وقودا يحترق ليبعث بدخانه وضيائه عبر الساحة الإقليمية فأنار طرقا وشق معابر سلكتها تيارات أخرى لاحقة (كالتيار الإسلامي بأطيافه)، حينها لم يستعمل التيار القومي قنابل المولوتوف إلا ضد عساكر المحتل والسلطة... وما كان ضمن منهجه أو أجندته بأي شكل من الأشكال مسّ دور العبادة أو المآتم والتجمعات الدينية! فهلا تتذكر التيارات الإسلامية بأطيافها هذه الحقائق؟! وأن عليها مسئولية ما ينبعث من دخان في الساحة المحلية وعليها أن تقدس حقيقة الوطن للجميع فعلا وممارسة وليس شعارا نرفعه بين الفينة والأخرى لأي سبب من الأسباب.
إني أكرر ما قلته وأدعو الله ألا تكون زجاجات المولوتوف التي ألقيت في مقر “التجمع القومي” إبان العزاء - وعلى رغم رمزيتها - بأي صور من الصور شبها لما حدث في العاصمة الأردنية (عمّان) إبان الاحتفال بفرح زواج فانقلب مأتما والعياذ بالله.
وقبل أن أستغفر الله لي ولكم، اسمحوا لي أذهب إلى حيث عزمت في قولي هذا... وهو لو أن قيادتي اليسار واليمين ذهبتا فأدتا واجبا تجاه قيادة التجمع القومي الذي جميعا ندرك مدى إخلاصه لهذا الوطن وأهله لكنا جسّدنا حقيقة الأخوّة في الوطن وفي مسيرة النضال والعمل السياسي والوقوف معا في السراء والضراء بغض النظر عن اختلاف الآراء والمشارب، (ولكأن جارك من غير مشربك فقد عزيزا وذهبت لتعزيه).
لو حدث مثل هذا لقطعنا الطريق على المندسين والجاهلين أن يعبثوا بمسيرتنا الإصلاحية وبوطننا ومستقبلنا بدلا من استصدار بيانات الاستنكار والشجب بعد وقوع الحادث! وإني على ثقة بأن جميع قادة التيارات المختلفة في الساحة المحلية يدركون عقم الشجب والاستنكار (بعد ما تجي الفأس في الرأس) والعياذ بالله! وإن قنطارا وقاية خير من ألف قنطار علاج.
إني دائما شديدة الحرص على أن أنأى بنفسي عن الميل لسياسة الإقصاء لصالح طيف من دون بقية الأطياف لسبب بسيط وهو أن خيار الديمقراطية في المرحلة الراهنة والمنظورة أصبح شعار الجميع، وأن بضعة من مئات الكيلومترات هذه على أرض هذه الجزر لابد أن تكون ملكا للجميع، لا استئثارا لطيف من دون الآخرين.
ثم إني على يقين بجودة وصلابة هذا الشعب الذي أنا فرد منه، وأن ما يمتاز به من الصبر والحكمة لدليل على قوة التحامه عضويا من جهة ولبيئته العربية الإسلامية من جهة أخرى... وإذا كان لابد من كلمة حق تقال في هذا المقام، هو أنه في كلا التيارين القومي والإسلامي جنودا تعمل بإنكار ذات سواء في الساحة المحلية أو عبر ساحة الأمة، كما في التيارين من العناصر الانهزامية والوصولية، وأنه لا يفوتنا التنبه إلى أن الأحكام في مجملها نسبية ولذلك يجب ألا نغالي في استصدار الأحكام وتبني المواقف بل أن نجتمع على كلمة سواء، واضعين في أجندتنا جميعا قاسما مشتركا وهو الأمن الوطني الذي وجب لكي نجسده أن نستشعره أمنا وطنيا من دون تمييز.
إقرأ أيضا لـ "وداد كيكسو"العدد 1593 - الإثنين 15 يناير 2007م الموافق 25 ذي الحجة 1427هـ