بعد أربعة أيام، ستستعيد المنامة وجهها البحريني مؤقتا، كعادتها السنوية، لمدة عشرة أيامٍ بلياليها فقط. فالمنامة التي هجرها 85 في المئة من أهلها إلى المدن والضواحي البعيدة، لا يعودون إليها إلاّ في العشرة الأول من محرم؛ لإحياء هذا الموسم التاريخي الديني الكبير.
هناك 2000 مأتم وحسينية في البحرين، مسجّلة رسميا، وذات أنشطةٍ معلومةٍ للقاصي والداني، ولطالما دخلها وشرب قهوتها كبار رجالات الدولة في الأفراح والأتراح، وخصوصا لتقديم العزاء إلى العوائل المعروفة.
هذه المآتم والحسينيات، عبارةٌ عن «مدارس أهلية» تفتح أبوابها في الأشهر العربية «محرم وصفر ورمضان»، تستضيف خلالها الخطباء والعلماء والمبلّغين، في مواسم ثقافيةٍ كبرى، يتلقى فيها الجمهور محاضرات دينية وتاريخية وثقافية وعلمية، إذ يختلط التبليغ والتوعية، بالإرشاد والتوجيه إلى قيم الخير، والدعوة إلى التمسك بمكارم الأخلاق التي جاء بها رسول الهدى (ص) رحمة للعالمين.
هذه المآتم والحسينيات، ليست مباني عمرها 20 سنة، بل تمتد قرونا في تاريخ هذا البلد، ولها عناوينها المعتمدة لدى السجل السكاني ولها مراسلاتها الرسمية مع الدولة، ولها أنظمتها الإدارية الخاصة. بل هي من أقدم مؤسسات «المجتمع المدني» - إن جاز هذا التوصيف - أخذا بمبدأ «الانتخابات» في كثير من مناطق البحرين. هذا هو وضع هذه المؤسسات الدينية لمن يجهلها أو يتجاهلها، سواء كان تنبلا فارغَ العقل والفكر والوجدان، أم كاتبة موتورة ومعقّدة نفسيا وعرقيا من بقايا أيتام صدّام.
هذه هي المآتم والحسينيات في البحرين، منارات فكرية وثقافية وحضارية، وليست مخابئ سرية للأسلحة أو أوكارا للمؤامرات، حتى تخرج علينا هذه اليتيمة الصدّامية لتستغفل بضع عشرات من جمهور المحرق الكريم، حين تقول في محاضرتها: «إن هناك أسلحة مخزّنة في الكثير من المآتم»، وليأتي هذا الأحمق ليروِّج لها أكاذيبها، بعد أن يضربها خازوقا بقوله: «لم أشاهد محاضرة محلية يأتيها الجمهور بهذا العدد»! ولأن حبل الكذب قصير، فسرعان ما فضحه الله، فالمجلس الذي استضافها لا يتسع لأكثر من 80 فردا، فماذا عن المحاضرات والمواسم الثقافية الكبرى التي لا يحضرها ولا يعرفها هذا العجوز الدجّال؟
اليوم لا تخلو صحيفةٌ محليةٌ من تغطية أخبار الجرائم والمحاكم؛ لكثرتها واتساع رقعتها الجغرافية، مع ذلك يشهد موسم عاشوراء أكبر تجمع شعبي على الإطلاق، بما يصل إلى 160 ألف نسمة في محيط المنامة الصغرى، من دون أن تحدث جرائم أو تعديات تذكر؛ نظرا إلى ما يعيشه الناس من وضع أمني آمن، فهل يريد هؤلاء أن يدمّروا هذا الموسم الثقافي الديني الكبير بمزايداتهم وأكاذيبهم؟ هل هو ضمن مخطط «الفوضى البنّاءة» التي يروِّج لها الأميركان، وينساق وراءهم المغفّلون والمغفّلات من أبناء المنطقة لاستكمال مشروعات التقاتل الطائفي؟ هل يريدون أن يمهّدوا الطريق لتنفيذ ما نفذه نظراؤهم في العراق من تفجير المساجد والجوامع والحسينيات والكنائس المسيحية، في حربٍ قذِرةٍ لم توفّر فيها حتى قبور المسلمين والصالحين، وكانت النتيجة هذا الدمار الذي ترونه في العراق المفتّت؟ هل تريدون محاكاة المذابح العراقية في البحرين؟
اليوم، نتمنى أن نسمع رأي المجلس الإسلامي الأعلى، وإدارة الأوقاف الجعفرية المعنية بشئون المآتم، كجهاتٍ رسمية. نريد أن نسمع رأي المجلس العلمائي، كجهةٍ شعبيةٍ مستقلة، في موضوع حملات التزوير والكذب المكشوف والتلاعب بالسلم الأهلي، فضلا عن رأي أصحاب وإدارات المآتم والحسينيات.
عطني خدك!
قالت إنها «مخازن للأسلحة»! وإذا سكتوا عنها فستقول إنها «مصانع للأسلحة الكيماوية والبيولوجية والصواريخ النووية»! وسيأتي «شيخ التنابلة» ليصدّق على قولها، فلم يسبر أغوار سجاح إلاّ مسيلمة الكذّاب!
بس... الشره مو عليه، الشره على اللي فتح له المجال لنشر هذا الهراء! ألم يقل المحرقيون في أمثالهم: «هذي الباب على ذيك الخرابة»؟
إقرأ أيضا لـ "كاظم عبدالله"العدد 1593 - الإثنين 15 يناير 2007م الموافق 25 ذي الحجة 1427هـ