العدد 1593 - الإثنين 15 يناير 2007م الموافق 25 ذي الحجة 1427هـ

العالم يتغير... وعالمنا يتفرج

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

خلال سنة أو سنتين من الآن ستغيب عن الشاشة الدولية الكثير من الوجوه المهمة التي لعبت دورا في صنع السياسة أو قيادتها في العقد الجاري. فالرئيس الأميركي جورج بوش سيتقاعد ويدخل مكانه إلى «البيت الأبيض» وجه جديد يرجح أن يكون من الحزب الديمقراطي المنافس. ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير يخطط للخروج من مقر «تن داوننغ ستريت» ليخلفه في رئاسة الحزب والوزارة وزير الخزانة غوردن براون إلا إذا حدثت انتخابات حزبية عاكست اتجاه الرياح.

والرئيس الفرنسي جاك شيراك يفكر في الترشح لولاية ثالثة، وفي حال قرر الإقلاع عن الفكرة يرجح أن يخرج من قصر الاليزيه ليدخله الفائز في الانتخابات الرئاسية التي ستشهد منافسة حامية بين المترشح اليميني المتطرف (تيار المحافظين الجدد في طبعته الفرنسية) نيكولاس ساركوزي ومترشحة اليسار الوسط الاشتراكية المعتدلة سيفولان رويال. وفي روسيا يفكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عدم الترشح إلى ولاية ثالثة. وإذا حصل هذا الأمر فسيخرج الرئيس بوتين من الكرملين ليدخل أحد المترشحين الذي لا يعرف اسمه حتى الآن.

كل هؤلاء الكبار من بوش وبلير وشيراك وبوتين سيغيبون عن مسرح السياسة الدولية بعد عقد من الزمن مارسوا خلاله مسئوليات كبيرة حفرت آثارها في ذاكرة تاريخ العالم. فالخروج سيكون عاديا ومن دون شغب أو اقتتال، كذلك من دون أن يكون الدافع حصول انقلاب عسكري أو حادث اغتيال دبرته مخابرات أو جهاز سري نظم حادث تفجير أو تلغيم أو تفخيخ أو نتيجة مؤامرة خبيثة أو تواطؤ انتهى بالإعدام شنقا أو رميا بالرصاص. هؤلاء سيخرجون من قصورهم ومقراتهم لسبب بسيط أن «المهلة الدستورية» لتولي إدارة الحكم انتهت فترتها القانونية.

طبعا هناك الكثير من السياسيين والرؤساء العرب لا يفقهون معنى «المهلة الدستورية» أو «احترام الدستور» أو التعامل الأخلاقي مع قواعد اللعبة وتداول السلطة. فهذه المفردات تبدو غير مفهومة في اللغة العربية المعاصرة. ومعظم السياسيين والرؤساء يتعاملون معها بصفتها من شيم دول استعمارية امبريالية تتحدث لغة أجنبية معادية للعروبة والإسلام.

المهم أنه خلال سنة أو سنتين ستغيب وجوه كبيرة عن لعب دور قيادي في رسم سياسة العالم خلال فترة تقل أو تزيد على العقد من الزمن. وهؤلاء الأربعة شاركوا أو ساهموا في إحداث تعديلات سلبية وإيجابية وبعضهم جر العالم إلى حروب وويلات وأنتج سياسة أحدثت اضطرابات وهزات وبعضهم الآخر حاول قدر الإمكان ضبط مصادر العنف من خلال العمل على تحسين العلاقات أو احتواء مناطق الاحتجاج المعارضة للتسلط الأميركي على العلاقات وتوازن المصالح الدولية.

هذا لا يعني أن هؤلاء الأربعة تفردوا بإدارة الصراع في العالم. فهناك الكثير من القادة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية والعالم الإسلامي وأوروبا لعبوا أدوارهم بنسب متفاوتة في التأثير على رسم الاتجاهات السياسية الدولية. فمثلا هناك رئيس الوزراء الإسباني (اليميني) خرج ودخل مكانه رئيس وزراء يساري معتدل. وهناك رئيس الوزراء الإيطالي السابق (برلسكوني) الحاد الطباع والمتطرف في تصريحاته العنصرية ضد الحضارة العربية والإسلام خرج بدوره وجاءت مكانه شخصية ديمقراطية معتدلة. وهناك المستشار الألماني السابق (شرويدر) الذي ساهم في تشكيل هامش من الاستقلال النسبي عن الولايات المتحدة خرج من المستشارية ودخلت مكانه ميركل التي تعتبر قريبة من واشنطن.

هناك الكثير من المتغيرات النسبية حصلت واتجهت كلها في خطوط متعارضة. ففي إسبانيا خرج اليمين ودخل اليسار. وفي إيطاليا حصل الأمر نفسه. وفي ألمانيا حصل العكس إذ خرج اليسار الديمقراطي ودخل مكانه اليمين الليبرالي. ويتوقع أيضا أن يخرج بوش، الذي بات في حال يرثى لها ودخل غرفة العناية المركزة، مع فريق عمله المتطرف في سياسته الدولية والداخلية المحافظة لتدخل مكانه هيئة حزبية أكثر واقعية ومرونة في التعامل مع القضايا المحلية والعالمية. كذلك يتوقع أن يغادر بلير مقره بعد أن بالغ في سياسة تغليب التحالف مع الولايات المتحدة على حساب مصالح الدولة البريطانية العليا ليحل مكانه رئيس وزراء يعطي الأولوية للمصالح العليا ويضع التحالف مع أميركا في درجة ثانية بعد الدولة البريطانية.

أما في فرنسا فستكون الصورة مختلفة عن المشهد الحالي إذا قرر شيراك التقاعد. فالصراع سيكون من بعده شديدا بين اتجاه محافظ وقريب من نسخة ذاك التيار الذي قاد واشنطن إلى كوارث والمنطقة العربية/ الإسلامية إلى ويلات وبين اتجاه معتدل قريب نسبيا من شيراك، ولكنه يتخالف معه في الكثير من القضايا الاجتماعية والمالية الداخلية.

روسيا بوتين

روسيا بدورها ستكون على موعد جديد مع متغيرات قد تعدل الكثير من الزوايا. فالرئيس بوتين شخصية قوية ولعبت دورا استثنائيا في حماية الدولة من الانهيار الاقتصادي وتلاعب المافيات في ثروة البلاد الطبيعية والمنتجة. كذلك ساهم بوتين في مطاردة الفساد ومحاربة البيروقراطية وصنع سياسة خاصة أعادت وضع اسم روسيا على الخريطة الدولية. فالآن أصبحت موسكو تلعب دورها كعاصمة مركزية في ضبط السلوك الأميركي وتسلط واشنطن في إدارة ملفات الصراع. وهذا الدور المستعاد نسبيا كان الفضل فيه للرئيس بوتين الذي أنعش الحياة الاقتصادية ورفع من درجة التقدم الإنتاجي وسدد ديون روسيا التي كادت تصبح أسيرة المؤسسات المالية الدولية والمصارف الأجنبية.

هذا الموقع المهم في الكرملين يحتاج إلى شخصية كارزمية مثل بوتين لمواصلة ذاك النهج الذي أعاد بعض الثقة لموقع موسكو ودورها المميز في السياسة الدولية. وحتى الآن تبدو الأسماء المتداولة لا تتمتع بتلك الثقة أو ذاك الوزن الخاص إلذي نجح بوتين في تمثيله خلال السنوات الثماني الماضية.

بعيدا عن الأسماء والأشخاص والوجوه التي ستخرج وتدخل في أربع دول كبرى في الأمم المتحدة والأقوى جغرافيا واقتصاديا وماليا وسياسيا وعسكريا (بالإضافة إلى ألمانيا والصين واليابان والهند) وصاحبة نفوذ تاريخي في التأثير على السياسة الدولية (حق النقض في مجلس الأمن) فإن المتغيرات المحتملة لن تكون انقلابية أو عنفية بل ستتم على قاعد التسلم والتسليم السلمية. وهذه النقطة الثمينة في المعادلة السياسية الداخلية تعني مسألة واحدة وهي احترام الثوابت في حماية المصالح العليا للدولة والانضباط الخلقي أمام الدستور وفقراته ونصوصه التي تحدد الفترات الزمنية لممارسة الحكم ضمن الأصول الشرعية والمشروعة. فالمهلة مسألة مقدسة في الدستور وهي تشكل ذاك الحاجز القانوني الذي يمنع الرئيس المنتخب من اختراق حق الشعب في التصويت والاختيار وحق المعارضة في الوصول إلى السلطة. وهذا الأمر يبدو حتى الآن يشبه اللغة السنسكريتية عند الكثير من الرؤساء والسياسيين العرب. فبعض هؤلاء يصر على البقاء في منصبه حتى لو انفجرت الدولة وتمزق المجتمع وتهدم الاقتصاد وتبعثرت الوحدة.

العالم الآن يستعد خلال السنة أو السنتين لتوديع وجوه واستقبال أخرى في أربع دول كبرى تلعب دورا مركزيا في صناعة السياسة الدولية... بينما نحن في عالمنا ننتظر ونتفرج ونشاهد في وقت واحد نصب المشانق في عواصمنا وتساقط الأوراق في صناديق الاقتراع في عواصم أربع دول كبرى في العالم. إنها مفارقة، ولكنها صورة واقعية تعكس سياسة ظالم يحترم شعبه وسياسة مظلوم يحتقر شعبه. وبين هذه وتلك ترتسم في منطقتنا شبكة دولية تشد خيوطها على البسطاء والرؤساء على السواء. المفارقة في تاريخنا مأسوية في جانب منها وهزلية في جانب آخر. والخاسر بين المبكي والمضحك هو المنطقة كلها بدولها وشعوبها وثرواتها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1593 - الإثنين 15 يناير 2007م الموافق 25 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً