العدد 1592 - الأحد 14 يناير 2007م الموافق 24 ذي الحجة 1427هـ

خطة بوش والفرضيات الأربع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أمام الرئيس الأميركي جورج بوش نحو تسعة أشهر لإجراء كشف حساب أمام الكونغرس والرأي العام ودافع الضرائب بشأن خطته الجديدة في العراق و»الشرق الأوسط». وخلال هذه الفترة التي تعتبر حاسمة في عهده لابدّ أن يكون بوش قد توصل إلى قناعات تعطيه فكرة عن مدى نجاح أو فشل استراتيجيته. وستلعب النتائج الميدانية دورها في تعزيز ذرائع «البيت الأبيض» أم إضعافها أمام خصومه من الحزب الديمقراطي الذين يستعدون لخوض معركة قوية خلال انتخابات الرئاسة في خريف العام 2008 ويرجح أن يحتل فيها موضوع العراق رأس القائمة في مواجهة الحزب الجمهوري.

من الآن حتى نوفمبر/ تشرين الثاني يمكن وضع فرضيات عامة يتوقع أن تحصل خلال فترة السماح التي يبدو أن بوش يراهن عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

الفرضية الأولى تقوم على تصور إيجابي بالنسبة للإدارة الأميركية وهي نجاح الخطة. والنجاح يعني أن زيادة القوات من 130 إلى 150 ألفا ستؤتي ثمارها وسيتمكن جيش الاحتلال من فرض سيطرته على كل العراق ومختلف محافظاته بالتعاون مع حكومة نوري المالكي. وسيؤدي هذا الاحتلال الجديد إلى ضبط بؤر العنف والقضاء على شبكات «الإرهاب» ومحاصرة المقاومة واجتياح مناطقها وتجريد الميليشيات من أسلحتها ووضع حد للاقتتال الأهلي والفرز الطائفي والمذهبي، وعزل إيران والحد من نفوذها وتسييج الحدود ومراقبة معابرها ومنع التسلل. كذلك ستسفر فرضية النجاح عن تأمين الهدوء الأمني وتعميم الاستقرار وتمثيل مختلف الشرائح في إعادة بناء الدولة والبدء في إعمار البلاد وتوفير فرص العمل والتوظيف والاستثمار... وغيرها من شئون وشجون يحتاج إليها العراق بعد أربع سنوات من الخراب الشامل.

الفرضية الثانية تقوم على تصور نصف إيجابي. وهي أن الخطة الجديدة ستنجح بداية في الحد من الانهيار والتفكك وستسجل بعض النقاط العسكرية وستضرب بعض مناطق المقاومة وستوجه صدمات قوية لما يسمى بشبكات «الإرهاب» وستقتحم بعض الأحياء والمدن وتعتقل بعض الناشطين ثم تصل إلى قنوات مقفلة ستؤدي إلى الضغط على حكومة المالكي ما يضطر إدارة الاحتلال إلى تعديلها أو استبدالها بتشكيلة وزارية جديدة تحظى بتأييد أوسع من الأطياف السياسية والشرائح المذهبية والطائفية. وهذا التغييرالمحدود سيضطر الاحتلال إلى مواصلة السياسة السابقة التي تقضي بإنجاز مهمات ضبط الأمن والحدود وإعادة الإعمار والسير بما تبقى من العراق إلى بر الأمان.

الفرضية الثالثة تقوم على تصور نصف سلبي. وهي أن الخطة الجديدة ستساهم في تعزيز المواقع العراقية وحماية بعض المناطق الحيوية وتخفف من الخسائر البشرية الأميركية وتحد من كمية وحجم العمليات والأضرار، ولكنها لن تتوفق في إزالة آثار الحرب والدمار ولن تصيب النجاح في احتواء العنف والتسلل وستبقى المقاومة قادرة على تسجيل ضربات والقيام بهجمات. كذلك لن تستطيع القوة الإضافية تأمين الاستقرار المطلوب ودفع عجلة الإصلاح والبناء خطوة إلى الأمام. وهذا يعني أن الاقتتال الأهلي سيأخذ مداه النسبي ويساهم في تخويف الناس ودفعهم اضطرارا إلى مغادرة أماكن إقامتهم بحثا عن ملاذات آمنة.

الفرضية الرابعة تقوم على تصور سلبي. وهذا يعني أن خطة بوش فشلت كليا في تحقيق الأمن ومنع انفلات العنف ووقف هجمات المقاومة. وفي حال حصل هذا الاحتمال ؛فإن العراق يكون قد دخل في مجهول سياسي سيطيح بالكيان وسيمزقه إلى مناطق تتنازع السلطة وتتنافس على الثروة. وهذا ما سيؤدي إلى استكمال الفرز الطائفي المذهبي المترافق مع فوضى عارمة واقتتال أهلي يوزع سكان بلاد الرافدين على دويلات تقيم علاقات جوارية خاصة مع محيط العراق الجغرافي.

بين نجاح وفشل

هناك إذا فرضيات أربع تتراوح بين النجاح ونصف النجاح والفشل ونصف الفشل. وكل فرضية ترسم في أفقها الراهن والمستقبلي سيناريو محليا وإقليميا سيترك انعكاساته على مجموع دول المنطقة وتحديدا تلك التي تقع على حدود العراق السياسية.

فرضية النجاح تعني أن بوش أصاب في خطته الأخيرة وأنقذ سمعته وحزبه من مشكلة كادت أن تقضي على صدقية أميركا ومصالحها ودورها وموقعها. وسيؤدي النجاح إلى تقوية أسهم بوش وسيعمل الأخير على توظيفها ؛لتطوير خطة الهجوم وتحويل العراق إلى قاعدة أميركية ثابتة يهدد منها دول الجوار مستخدما نموذجه إطارا للتعامل مع المحيط الإقليمي والعربي. وهذه الفرضية ستعزز قناعة بوش بعدم الانسحاب بل ستدفعه إلى تطوير خطته باتجاه المزيد من الحشد والضغط على الجوار والبدء في بناء دولة إقليمية مركزية تابعة للولايات المتحدة وملحقة بها وتقوم أحيانا بوظائف خاصة نيابة عنها.

فرضية نصف النجاح ستؤدي إلى تحسين مواقع بوش نسبيا وتعزيز شروط التفاوض مع الكونغرس من دون أن تسعفه في تبرير كل خطواته وخطته. فالنصف يعني أنه غير قادر على استكمال مشروعه من دون كلفة مادية وبشرية، وانه عاجز عن توسيع «المناطق الخضراء» وتأمين الحماية اللازمة لها، وبالتالي فإن سياسة ضبط الأمن والحدود ومنع الانفلات والحد من الفرز السكاني لم تعد مجدية ،الأمر الذي سيضطره إلى فتح قنوات التفاوض محليا وإقليميا والقبول بالمشاركة والمحاصصة حتى يضمن السيطرة على نصف العراق وإجراء مساومات تمهد الطريق للبحث في صيغة جديدة تسهل عليه عملية الخروج الطويل المدى.

فرضية نصف الفشل ستؤدي إلى استمرار تعرض قوات الاحتلال إلى ضربات موجعة مقابل عدم القدرة على اجتياح كل مناطق المقاومة والممانعة. وسيترافق الأمر مع خضات سياسية وإقليمية سترفع من وتيرة الاعتراضات على الاحتلال وربما ستخلط الأوراق المحلية وتنشر الفوضى التي ستعطل إمكانات الإعمار والاستقرار التي وعد بها. وفي حال حصل مثل هذا الأمر ستضطر إدارة الاحتلال إلى اللجوء إلى تكتيك تجميع القوات في قواعد عسكرية ومناطق محصنة تمهيدا للبحث في مصيرها ودراسة الخطوة التالية التي يفترض أن بوش بدأ يفكر فيها.

فرضية الفشل تعني أن الولايات المتحدة خسرت كل أوراقها وبات عليها المغادرة سريعا وسحب قواتها كليا والهرولة إلى مناطق نفوذ آمنة ، كذلك سيكون العراق قد دخل في أتون الحرب الأهلية وانتقلت أطيافه وطوائفه ومذاهبه من الاقتتال إلى طور التصفية التي تستهدف فرز المناطق وتنقيتها من الألوان المختلفة بغية تأسيس دويلات محلية لا تخضع للدولة ولا تحترم الدستور ولا تقبل بوجود هوية مشتركة أو علم واحد أو قوات وطنية. وهذه الحال تعني أن العراق شطب كدولة عربية عن الخريطة وبات مجموعات أهلية متنافرة تعيش في «كانتونات» مستقلة كما هو حال الصومال منذ تسعينات القرن الماضي. ومثل هذا السيناريو الكارثي ليس مستبعدا إذا كانت أساس خطة بوش منذ بداياتها اعتمدت هذه الاستراتيجية التقويضية التي انطلقت ميدانيا بعد دخول بغداد واندلاع الفوضى والنهب والحرق في اليوم الأول للاجتياح. فرضية الفشل الشامل لا تعني فشل السياسة الأميركية المعلنة رسميا بل هي بداية انهيار المنظومة الأمنية العربية والإقليمية واحتمال انجرار دول الجوار إلى سياسات متوترة خوفا من بؤر العنف واحتمال تدحرج «كرة النار» العراقية. وهذه النقطة ألمحت إليها مداورة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في جولتها الحالية حين ذكرت أن خطر الفشل الأميركي لا يقتصر على الولايات المتحدة وإنما يهدد أيضا الدول العربية.

أمام بوش إذا تسعة أشهر لإجراء كشف حساب عام أمام الكونغرس وحزبه وجمهوره. وقائمة حسابات الربح والخسارة تنحصر بفرضيات أربع تتراوح بين النجاح الكامل والفشل الكامل، وكلها تظهر عن وجود خلل ليس في السيناريوهات المتوقعة وإنما في سياسة الزعزعة الأمنية التي ضربت العراق ودفعت بأطيافه الأهلية للانتقال من الاستقرار والتعايش إلى حال من الاصطراع والتنافر. فالسيناريوهات كلها سيئة للعراق ولمختلف دول الجوار والمنظومة الأمنية العربية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1592 - الأحد 14 يناير 2007م الموافق 24 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً