العدد 1592 - الأحد 14 يناير 2007م الموافق 24 ذي الحجة 1427هـ

حالات التجنيس العسرة

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

تلقيت في الأسابيع الماضية اتصالا من إحدى البحرينيات المتزوجات من خليجي، وتحديدا «سعودي الجنسية»، فتحدثت عبر الهاتف بنبرة حزينة عن معاناتها للحصول على جنسية لأبنائها بعد طلاقها من زوجها قرابة الخمسة وعشرين عاما. المتحدثة ذكرت أنه إلى جانب حالتها فهناك حالتان أخريان للمعاناة نفسها، وإلى الآن لم يوفقن في مساعيهن رغم ذهابهن وإيابهن غير المنقطع لجميع المؤسسات المعنية، وعلى رغم صعوبة الظروف والأحوال، وكونهن ربات بيوت وغير مطلعات بدرجة كبيرة على الواقع. المتصلة ذكرت أن هناك مراجعات مستمرة حدثت مع المجلس الأعلى للمرأة والديوان الملكي أيضا، سوى «إدارة الجنسية والجوازات»، وأخيرا التجأن إلى السلطة الرابعة (الصحافة)، وخصوصا بعد سماعهن عن دفعة من المتضررات حصلن على موافقة من الجهات المسئولة بوساطة المجلس الأعلى للمرأة. ومما أسفت له حقا أن تكون الجنسية البحرينية تعرض بهذا الشكل المفتوح من دون أن يكون للمواطن البحريني نصيب منها، فبالأمس القريب كانت فضيحة اللاعب الكيني الذي قابل الإحسان بالإساءة إلى البحرين وموقفها من القضية الفلسطينية، بينما تهان المرأة البحرينية فقط ؛لكونها قد تزوجت من أجنبي. فقد هالني ما أطلعت عليه من معاناة أشعرتني بالألم يعتصرني. ربما الحالات كثيرة، ولكن على الأقل بيدي حالات لثلاث بحرينيات متزوجات من سعوديين منذ قرابة ربع قرن، ومازلن يحلمن بحصول أبنائهم على الجنسية البحرينية، قبل أن يرحلوا عن هذه الحياة ،فالأعمار بيد الله تعالى، ومصير ومستقبل أبنائهم على كف عفريت، فبحكم انهم غير بحرينيين، فإنهم لا يملكون وظيفة، وليس بإمكانهم الاستقرار والزواج في ظل عدم توافر مقومات الاستقرار والأمان، فيموتون كل يوم ألف مرة ومرة. وإذا كان هناك من حق في الحصول على الجنسية البحرينية فهم أحق بها من أي أحد آخر، فهم لم يعرفوا بلدا غير البحرين، ففيها ولدوا وتربوا في أحضانها ولم يتركوها حتى تتخلى عنهم وتدير ظهرها لهم. الحالة الأولى... متزوجة في السبعينيات وحصلت على ورقة طلاقها في العام 1980 وإلى الآن لم تتزوج بآخر، ولها ولدان، الأول يعاني من إعاقة (العجز السمعي والبكم) على رغم ذلك له مشاركات كبيرة في رياضة المعوقين، ليس على مستوى البحرين فحسب بل تمتد لتشمل دول مجلس التعاون الخليجي لكرة القدم، وهو ما يؤكد أننا لسنا بحاجة أصلا للبحث عن موهوبين ومتميزين لإعطائهم الجنسية لرفع علم البحرين عاليا! ومن المتوقع أن يكون هذا المعوق عاطلا مادام البحريني المعافى يضج من هذا الداء. كما انه أعزب ويرغب في الزواج كغيره من البشر، ولكنه لا يستطيع تحقيق ذلك لعدم توافر الجنسية. أما الابن الآخر فيعاني من مرض نفسي مستفحل ولا يفكر أصلا في الحصول على الجنسية، بل أن الأم أيضا اقتنعت بعدم جدواها، فلا عمل يرغب في الالتحاق به ولا مشروع زواج يلوح في الأفق أمامه، فالمستقبل مغلق. الشابان في سن العطاء (العشرينيات)، المرض يعيقهم من جهة، والجنسية تكمل عليهما مسلسل الحرمان، فالأسرة تعاني من الفقر المدقع. الأم كانت عاملة في إحدى الوحدات التعليمية، وهي الآن متقاعدة في سبيل رعاية ابنيها اللذين هما في أمس الحاجة إليها، وتسعى لحصولهم على الجنسية، وقدمت طلبا للإدارة العامة للهجرة والجوازات منذ 2004.

الحالة الثانية... ليست أهون من الحالة الأولى، فهي تفتقد أيضا المسكن الذي يؤيها ويأوي أولادها (ولدان وبنت)، وهما في العشرينات من أعمارهما، ويعانون من الصعوبات نفسها، لا فرص عمل للشابين ولا مجال للزواج والاستقرار الأسري. البنت تزوجت من بحريني بصعوبة كبيرة وما زالت إلى الآن جنسيتها سعودية رغم كونها لا تعرف غير البحرين وطنا.

الحالة الثالثة... أخت للحالة الثانية ومتزوجة من أخ زوجها، والمعاناة مستنسخة، ولديها بنتان، في العشرينات من عمرهما، أمام مستقبل ضبابي مجهول. وبدوري أسلط الضوء على الحالات الثلاث، للمساهمة في حلحلتها. فالأجانب الذين يحصلون على الجنسية وامتيازاتها التي ربما لا تعطى للمواطن البحريني، ليسوا أحق من هؤلاء النسوة، ولا أكثر حاجة إليها، ويجب معاملتهن بالمثل. وعمدت اليوم لإثارة الموضوع للفت نظر الجهات الأخرى من مؤسسات نسائية تعنى بملف المرأة وقضاياها، وهي أولى بتبني قضايا المرأة من هذه الشاكلة. ولا يخفى على أحد حجم المعاناة التي تعاني منها هذه الأسر، رغم أنهم يمتلكون جوازات سعودية إلاّ أنهم يجدون صعوبات كبيرة إذا رغبوا بالسفر خارج البحرين، فهم مسجونون فيها ولا تقدم لهم الحل. كما لا يتوافر لهم العلاج في المراكز الصحية بشكل مجاني ويعاملون معاملة الأجنبي غير المقيم. وعندما نتابع موجة التجنيس التي تجتاح البحرين نشعر بالأسى والغبن عندما تهمش المرأة البحرينية وتحرم من إعطاء أبنائها الجنسية، على رغم أن الدستور ساوى بينها وبين الرجل، وبالتالي يحق لها أن تعطي جنسيتها لأبنائها، على رغم ذلك لا تورث لهم سوى الحزن والكآبة. وعندما نرى البحرين تتسع لتشمل الأجنبي وتضيق بالبحريني الذي تضرب جذوره في تاريخ بلاده، يشعر حينها بالظلم، فهو على كل حال أحقّ بالحصول على الجنسية، وهذا أقل ما يمكن للوطن أن يعطي أبناءه، لا أن يلقي الحسرة في قلبه، فالإنسان يفترض أن يعيش حياته ويتطلع إلى مستقبله، لا أن يعيش رحلة نحو المجهول المظلم الذي كان يسيطر على القضية لسنوات طوال. في الفترة الأخيرة لاح في الأفق بعض الأمل لمنح المرأة البحرينية الفرصة في إعطاء أبنائها الجنسية، ولقى ذلك أصداء جدا طيبة من الشارع البحريني بشكل عام والمجاميع النسائية بشكل خاص، ونأمل أن يمتد ليشمل جميع الحالات من دون استثناء ؛لتغمر الفرحة قلب كل أم، ولتعم كل بيت يرغب في الاستفادة من هذا الحق، فهذا أقل ما نقدر أن نقدمه. لم يكن الهدف من المقال، إثارة الموضوع فقط من أجل الإثارة، ولكن رغبة في إيجاد حلول مناسبة للحالات التي طرحت والحالات التي لم تطرح. آملة من المسئولين التفاعل الجاد مع الموضوع وإعطائه ما يناسبه من اهتمام.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1592 - الأحد 14 يناير 2007م الموافق 24 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً