أشرنا في مقال يوم أمس (الأحد) إلى قرار سلطنة عمان بالانسحاب من مشروع الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي والمفترض أن يدخل حيز التنفيذ بحلول العام 2010. وقد أعلن وزير الاقتصاد العماني أحمد بن عبد النبي مكي موقف بلاده في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة (مسقط). يركز مقال اليوم على الأسباب الاقتصادية للموقف العماني.
شروط الوحدة النقدية
نعتقد أن هناك أسبابا اقتصادية محلية وراء الموقف العماني. على سبيل المثال, تخشى عمان خسارة جانب من قدرتها التنافسية في حال تقيدها بالتزامات الاتحاد النقدي. تتضمن المعايير تقيد الدين العام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي. أيضا المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي ضمان عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المئة. أيضا ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى ثلاث دول زائد 2 في المئة. كما أن المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لمدة أربعة أشهر.
حقيقة القول, لا يعاني الاقتصاد العماني في الوقت الحاضر من أية صعوبات في الالتزام بالمعايير المشار إليها. فقد حققت الموازنة العامة للسنة المالية 2005 فائضا قدره 11 من حجم الناتج المحلي الإجمالي. أيضا تحتفظ عمان باحتياطي يزيد عن قيمة واردات لفترة خمسة أشهر ونصف الشهر. أيضا لا يعاني الاقتصاد العماني من مشكلة تضخم كبيرة نسبيا خلافا لما عليه الحال في دول أخرى مثل قطر.
قيمة الريال العماني
لكن يبدو لنا بأن السلطات العمانية ترغب في تحاشي حدوث خسائر محتملة لاقتصادها في حال الانضمام للعملة الموحدة. يشار إلى أن العملة العمانية هي الأضعف بين عملات دول المجلس الأمر الذي يمنح الاقتصاد العماني فرصة جلب الزوار من الخارج وعلى الخصوص من دول منطقة اليورو. كما أن الضآلة النسبية لقيمة العملة تساعد في تعزيز القدرة التنافسية للصادرات غير النفطية للدول الأخرى الأمر الذي يخدم مسألة الحفاظ على بعض الوظائف فضلا عن إيجاد وظائف جديدة أخرى للشباب العماني الداخل إلى سوق العمل.
بالمقابل, ستتسبب الوحدة النقدية في التزام عمان بقيمة موحدة للعملة المشتركة ما يعني خسارة الاقتصاد العماني لجانب من ميزتها التنافسية. ولا يمكن لوم السلطات العمانية في هذه المسألة آخذين في الاعتبار الأهمية الجوهرية لقدرة الاقتصاد المحلي على إيجاد فرص عمل للمواطنين, إذ إن البديل هو التسبب في وجود بطالة في أوساط العمالة الوطنية.
إضافة إلى ذلك, ترغب عمان في استمرار ربط عملتها الوطنية بالدولار الأميركي بدليل الإعلان عن نية الاحتفاظ بغالبية الاحتياطي العام بالدولار الأميركي بحجة أفضلية نسبة الفائدة على الدولار مقارنة بالعملات الأخرى. يشار إلى أن أحاديث صحافية قد أشارت إلى احتمال تخلي دول المجلس عن سياسة الربط بالدولار الأميركي ربما في وقت لاحق. وتكمن العلة في أن سياسة الربط تعني فيما تعني استيراد التضخم (وهذا هو واقع الحال في دول المجلس). المعروف أن الدولار الأميركي فقد الكثير من قيمته أمام اليورو والين الأمر الذي يعني ارتفاعا نوعيا في قيم السلع المستوردة من دول منطقة اليورو واليابان.
استقلالية القرارات
كما ترغب السلطات في عمان أن تكون في حل من نفسها فيما يخص رفع الدين العام لأغراض تنموية بدل الالتزام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي. وتكمن حجة السلطات العمانية بأن الاقتصاد العماني مازال ناميا (أي في طور التطوير) ما يعني وجود الحاجة إلى تعزيز المصروفات الحكومية وبالتالي فرص زيادة حجم الدين العام.
باختصار يمثل الموقف العماني بخصوص الاتحاد النقدي امتدادا لقرارات أخرى اتخذتها السلطنة في الآونة الأخيرة. والإشارة هنا بكل تأكيد إلى توقيع اتفاق للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة لغرض الانكشاف على الاقتصاد الأميركي (يشار إلى أن مملكة البحرين كانت هي السباقة في توقيع اتفاق للتجارة مع أميركا لأغراض اقتصادية مثل استقطاب الاستثمارات من الشركات الأميركية).
ختاما هناك أسباب اقتصادية محلية بحتة وراء الموقف العماني بعدم الانضمام لمشروع الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون الخليجي. السؤال الذي يطرح نفسه هل سيتم تنفيذ مشروع الاتحاد النقدي في العام 2010 أم أن لكل حادث حديثا!
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1592 - الأحد 14 يناير 2007م الموافق 24 ذي الحجة 1427هـ