لدينا أناس - يحتمل أنهم من أصول صفوية من جانب الأب أو الأم - يكرهون ما كانت عليه أصولهم، وبدلا من الذهاب للعلاج لدى أطباء نفسيين ينهالون علينا - نحن أهل البحرين - بما تفيضه أحقادهم. ولدينا من يعلن أن أي شخص يود الاقتراب من المحرق - للشراء حاليا وربما الزيارة مستقبلا - أن يحصل على ترخيص مسبق... وهذا يشبه إلى حدٍّ بعيد التراخيص الخاصة التي كانت تعطى لبعض الناس - من ذوي اللون الأسود - أيام حكم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (نظام الابرتهايد)؛ كي يستطيعوا المرور في مناطق البيض.
ولدينا أيضا إقحام للسياسة في التجارة... ففي الأسبوع الماضي اضطر أكثر من 40 إيرانيا (بينهم صغار سن) إلى البقاء في الصالة الصغيرة لمطار البحرين الدولي (الذي يقع في المحرق) لا لذنب اقترفوه سوى أنهم اختاروا السفر على متن «طيران الخليج»، وسفرهم تطلب منهم أن يمروا «ترانزيت» بالبحرين. ولأن السعر مناسب، فقد اختار هذا الجمع من الناس تذاكر طيران الخليج وتركوا العروض الأخرى من شركات الطيران المنافسة، وهرعوا إلى الطائرة ووصلوا إلى البحرين، ليكتشفوا أن عليهم أن يجلسوا في قاعة صغيرة حتى اليوم التالي. ولم تنفع أية محاولة لإخراجهم مدة يوم واحد - مع ضمان عودتهم - لأنهم من حملة جوازات إيرانية. وعليه، فإن هؤلاء لعنوا الساعة التي اشتروا فيها تذاكرَ تتطلب منهم المرور بالبحرين، فما لهم ووجع الرأس بينما بإمكانهم أن يذهبوا إلى مطارات الدول الخليجية الأخرى من دون تعب.
مطار دبي، مثلا، يستقبل نحو 20 طائرة يوميا من إيران، وينزل إلى دبي نحو 3 آلاف إيراني يوميا، ومن ليس لديه «فيزا» يحصل على رخصة بقاء مدتها 96 ساعة... وعلى رغم أن هناك مشكلة بين إيران والإمارات - بشأن الجزر الثلاث - فإن حركة السفر والتجارة لم تتعطل يوما واحدا، بل إن دبي أخذت مكان البحرين في موقعها الاستراتيجي، إذ إن البحرين كانت هي المكان المفضل لسفر الترانزيت في سبعينات القرن الماضي، قبل أن تتدخل السياسة وتمنع ذلك، ولتبدأ بعد ذلك دبي الاستفادة من حاجة السوق إلى مثل هذا النشاط التجاري. عندما سمعت خبر المحصورين في قاعة المطار، اتصلت بـ «طيران الخليج» لأسألهم، ولكن لم يكن هناك جوابٌ، سوى أن مصدرا آخرَ - غير طيران الخليج - ذكر أن حملة الجوازات الإيرانية تفرض عليهم إجراءات خاصة، وأن هذا أمر معتاد... وقدم أحد الأصدقاء نصيحة - مازحا - بأن أي شخص يود الخروج من الترانزيت فإنه سيمر بأراضي المحرق، وربما أن عليه أن يستحصل على رخصة خاصة من محافظ المحرق.
الحابل بالنابل اختلط... فإذا كنا سنخلط السياسة بالتجارة في كل جانب من جوانب حياتنا اليومية فلماذا لا نصرح بذلك بدلا من الحديث عن اقتصاد السوق وأهمية تعزيز القطاع الخاص؟ وإذا كنا سنتحدث عن الصفويين والمحرقيين، فلماذا لا نطلب من كل واحديشتم نصف المجتمع البحريني أن يثبت لنا أولا نسبه (من جانبي الأم والأب) وأصله وفصله وهويته؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1592 - الأحد 14 يناير 2007م الموافق 24 ذي الحجة 1427هـ