العدد 1590 - الجمعة 12 يناير 2007م الموافق 22 ذي الحجة 1427هـ

«إنت شنو؟ »

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

إنت شنو؟

إنت سني لو شيعي؟

إنت شنو؟

أنا سني وإنت؟

أنا شيعي

إنته أكيد اتحب بن لادن

وإنت تحب الخميني!

لم أصدق نفسي أن هذه المحاورة هي بين طفلين بحرينيين يعيشان في وطن واحد وعلى مقاعد دراسية واحدة وفي منطقة واحدة أيضا، لولا أن أذني التقطت محاورتهما الخاطفة في إحدى المدارس الابتدائية، ونلت شرف محاولة فك رموز هذه المحاورة البريئة من طفلين لم يتجاوزا الحادية عشرة من العمر، ولا أكذب عليكم، لم أجد تفسيرا وحيدا يفي بإشباع فضولي سوى أن هذه المحاورة بين الطفلين تعبّر عن أزمة وطن، ولا شيء أقل!

إن عملية التحول السياسي التي تشهدها البحرين منذ العام 2001، رافقتها بطبيعة الحال عملية تحول اجتماعي جذري، فكان للسياسة عوارض اجتماعية ذات سلبية مضاعفة؛ لأن ما صاحب عملية التحول السياسي من إفراز مجتمع يعرف أسوأ أنواع الانقسام الطائفي والطائفي/ السياسي والانتصار لصوت الطائفة وتغليبه على صوت الوطن.

في البحرين - كما في بلدان مشابهة في المنطقة مثل العراق ولبنان - أصبح الحزب أو (التنظيم السياسي) أكبر من منطق الدولة، وما صعّد الأمر وصعّب من تلافيه أن الأنظمة السياسية في المنطقة - ونحن لسنا استثناء منها - ساهمت بشكل مباشر في تعميق الفجوة الطائفية في الوطن الواحد المتكون من أعراق وإثنيات مختلفة، وما جرى في العراق أولا وفي لبنان تاليا أن البنية الاجتماعية التي يرتكز عليها مفهوم الدولة باتت مهددة، ولن أبالغ إن قلت إن مفهوم الدولة بما يعنيه من بوتقة جامعة من الهويات والأعراق والمذاهب المنصهرة في إطار سياسي يكاد يختفي.

نعم، الحكومة جزء مهم ورئيسي وحيوي في تكوين الدولة وضمان فرض سيادتها وتحريك عملية التنمية وقيادة المنظومة الاجتماعية، ولكن الجزء الأهم هو المنظومة الاجتماعية ذاتها التي تعطي للدولة اعتبارها وصدقيتها، وبعبارة أفصح أن من دونها لا يمكن أن توجد دولة، وفي حال البحرين وصلت الأفعى الطائفية إلى ذروتها ربما منذ سنوات وعقود لم يعرف أبناء شعبنا مثل هذا الظرف.

حتى في العقود الثلاثة الماضية التي كانت الأصعب على البحرين، وهي عقود سطوة الدكتاتورية والقوة لا يقر أحد أن مستوى العلاقة بين المكونات الاجتماعية في البحرين انحدر إلى هذا المنحدر الخطير، وعشرات الدلائل والقرائن يمكن أن تورد هنا للبرهنة على صحة هذا التقييم، ولا يعني ذلك أن سياسة «الضرب بيد من حديد» أفضل من هذا الواقع، ولكن الخطورة الكبرى تكمن في أن السنوات الثلاثين الماضية حرمنا من فرصة التطور السياسي، ولكننا اليوم نكاد نفقد مجتمعنا، وأي «فطين» يعرف أن خسارة حق أهون وأقل شرا من خسارة مجتمع وخسارة وطن واحد جامع لكل أبنائه.

كاذب من يزعم أن البحرين تعيش ربيع أيامها في العلاقة بين أهلها؛ لأن عدوى الانقسام الطائفي ضربت الجذور المشتركة التي بناها أبناء البحرين بسواعدهم وتضحياتهم، حتى ما تحقق من منجزات - قليلة أو كثيرة - في السنوات الخمس الخوالي يتعرض لتخريب من قِبل جماعات متطرفة، ديدنها التفريق بين أبناء الطائفتين الكريمتين اللتين تشكلان جناحي وطننا العزيز.

المجلس النيابي الذي يفترض فيه أن يعبّر بصدق وإخلاص عن إرادة الأمة وطموحاتها وآلامها الكثيرة وهمومها المختلفة وقع في شراك النار الطائفية التي لم نعهدها قبل حين، فساحات «مجلس الشعب» كانت موردا جديدا لإثارة الأحقاد بين عقد البحرين الجميل، والمجلس الجديد يحدونا الأمل في ألا يلحق بسابقه في طحن المجتمع ووحدته واستقراره.

من المؤكد أن محاورة الطفلين البريئة والخطيرة لم يبتكراها بنفسيهما، وإنما ورثاها من محيط اجتماعي ملوث، وحرام أن يضيع جيل بحريني كامل في طور التشكل بسبب «أخطاء الكبار»، والبحرين لن تكن على موعد مع يوم جميل إذا لم نقضِ على هذا «الفيروس» المدمر!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1590 - الجمعة 12 يناير 2007م الموافق 22 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً