خسرت جمعيتا المنبر الديمقراطي التقدمي والتجمع القومي خسارة ثقيلة في الانتخابات النيابية 2006. فلم يتمكن أحد من مرشحيهما حتى من بلوغ الدورة الانتخابية الثانية وكانت مشاركتهما في بعض الدوائر باهتة وغير مقنعة. على رغم ذلك، لا يمكن تجاهل قيمة المشاركة الانتخابية للجمعيتين في جهة تعريف فئات من الناخبين بوجودهما على الساحة السياسية البحرينية. النتائج المخيبة لمشاركة جمعيتي التقدمي والقومي تطرح أمامنا عددا من الأسئلة: هل كانت مشاركتهما لأجل المشاركة فحسب أم لأجل تحقيق فوز ما؟ هل بذلت الجمعيتان الجهد والإعداد اللازمين لخوض الانتخابات؟ هل شاركت جمعية التجمع القومي فقط لكيلا تشذ عن باقي زميلاتها في التحالف الرباعي؟ وهل ألقى الخلاف - الذي عصف قبل فترة بجمعية المنبر التقدمي - بظلاله على مستوى استعدادها ونوع مشاركتها الانتخابية؟ لسنا بصدد البحث عن إجابات لتلك الأسئلة أو غيرها، إذ نظن أن تلك مهمة الجمعيتين بالدرجة الأولى.
إضافة إلى ذلك، مازال يلح سؤال آخر كبير يتعلق بمعظم الدوائر التي ترشحت عنها الجمعيتان ومعهما «وعد» في «ثالثة العاصمة» و «ثالثة مدينة عيسى». السؤال هو: هل من المنطق الإقدام على الترشيح في أية دائرة لا يضمن المترشح عنها 40 في المئة على أقل تقدير من أصوات ناخبيها؛ كي يعمل بعد ذلك بحملة انتخابية نشطة على بلوغ الـ 50 في المئة وتجاوزها بما يلزم لفوزه على منافسيه؟ وما معنى أن يُقدِم إنسان على الترشح وهو مدرك تماما ضآلة حظوظه في الفوز بهذه الدائرة أو تلك؟ هذه الحال تنطبق أيضا على آخرين من خارج التيار ممن ترشحوا وخسروا خسارة كبيرة ومذلة في بعض الحالات.
إلا أن ما يُحسب لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي أنها الجمعية الوحيدة في انتخابات 2006 التي اتجهت مبدئيا وعمليا إلى تشكيل قائمة انتخابية تضم أعضاء من «المنبر التقدمي» ومن خارجه من الوطنيين الديمقراطيين ممن توافقوا على برنامج موحد شامل ومتكامل. وبظننا أن ذلك هو التوجه الأسلم لتشكيل كتلة وطنية ديمقراطية معارضة قوية وفاعلة داخل المجلس تضم شخصياتٍ ذات انتماءات متعددة تلتقي على برنامج عمل موحد. كما أن قيمة هذا التوجه، ما يحمله من بُعد وطني جامع قابل أن يتوسع ليجسد مظهرا من مظاهر الوحدة الوطنية. تشكيل قائمة وطنية ديمقراطية تجمع أكثر من انتماء، توجهٌ ايجابيٌّ لتحقيق الحضور للتيار الوطني الديمقراطي على الساحة الانتخابية وقد نجحت جمعية المنبر التقدمي في تجسيدها، إلا أنها أخفقت في توصيلها إلى إحراز النجاحات المرجوّة.
فشل قائمة الوحدة الوطنية في تحقيق أي فوز انتخابي يؤكد جوانب قصور ذاتي لابد من الوقوف عليها. مطلوب من «المنبر التقدمي» باعتبارها المظلة التي تشكلت قائمة الوحدة الوطنية تحت لوائها أن تفتش عن جوانب القصور تلك. لقد تطلب الإقدام على خطوة تشكيل القائمة الوطنية القيام بدراسة مسبقة معمقة لوضع الدوائر والمترشحين والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة وفرص الفوز في هذه الدائرة أو تلك، فهل جرى ذلك؟ وهل تحددت أسماء مرشحي القائمة بناء على معطيات الدراسة. ومن جانب آخر، تطلب الأمر أن تجند الجمعية نفسها وكامل قواها وأعضائها للمشاركة في لجان الدعم والترويج الانتخابيين للقائمة، فهل جرى ذلك؟
لقد أظهر واقع الحملات الانتخابية أن بعض مرشحي القائمة وجوهٌ غير معروفة وغير مألوفة في محيط دائرتها، وبعضها غير حاضر على مستوى الساحة المجتمعية والشأن العام ولا على صعيد عمل ونشاط «المنبر التقدمي» نفسها. كما أظهر الواقع خوض مرشحي القائمة الانتخابات في ظل حملات انتخابية متواضعة الإمكانات البشرية والمالية، غير نشطة بما يلائم أجواء منافسات شديدة تخوضها قوائم أخرى قوية ومترشحون مستقلون مدعومون بقوة.
نحسب أن جزءا لا يستهان به مما حصل من إخفاق عائد إلى ما تعانيه «المنبر التقدمي» من خلافات واختلافات داخلية متوارية تحت السطح لكنها ملموسة. هذا إلى جانب الإمكانات البشرية والمالية الشحيحة، وفوق ذلك تضاؤل مبادرات العطاء والتطوع لدى عدد غير قليل من الأعضاء والافتقار إلى كثير من عناصر التخطيط والتنظيم والتقييم والتقويم. هذا إلى جانب ما لوحظ من خشية بعض منتسبي «المنبر التقدمي» الترشيح باسمه كأن المجتمع البحريني الصغير ذا التعدديات الواضحة لم يتم فرز أطرافه فكريا وسياسيا فرزا علنيا منذ بدء عهد الإصلاح. ربما يكون هذا إشكالا أو ازدواجية فكرية لدى بعض الأعضاء وهو بحاجة إلى الحل عبر المزيد من الحوارات الداخلية المنتظمة.
تصدي «المنبر التقدمي» لقيادة قائمة الوحدة الوطنية بعدد مرشحيها وفي كثير من الدوائر الانتخابية بمختلف مناطق البحرين، لم يتناسب لا مع الطاقات المادية والبشرية التي تحوزها «المنبر التقدمي» ولا مع مستوى استعدادها الذاتي لدخول المعترك الانتخابي 2006. ونظن أن تشكيل قائمة وطنية ديمقراطية قوية بحاجة - في الظرف الراهن- إلى الدخول في تحالفات مع قوى وطنية ديمقراطية أخرى. وفي المقابل، نظن أن «المنبر التقدمي» - في ظل غياب التحالفات المطلوبة - لو رجّحت خيار انتقاء دقيقا لدائرتين أو ثلاث واختارت للترشح فيها أفضل الكفاءات ونزلت بكامل ثقلها دعما لها حاشدة كل طاقاتها وإمكاناتها، لأمكن إحراز بعض النجاح.
عموما أثبتت التجربة الانتخابية التي خاضتها عموم أطراف التيار الوطني الديمقراطي أن أسلوب الترقيع والتلصيق الذي غلب على مشاركتها الانتخابية لم يؤدِ ولن يؤدي إلى أي ناتج إيجابي. وكذلك أثبتت التجربة أن مستقبل التيار في العملية السياسية رهنٌ بعودة أطرافه إلى بعضها ونزولها إلى الحلبة في ظل تحالفات بينية ذات تأثير أقوى وناتج أجدى.
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1590 - الجمعة 12 يناير 2007م الموافق 22 ذي الحجة 1427هـ