العدد 1590 - الجمعة 12 يناير 2007م الموافق 22 ذي الحجة 1427هـ

بوش والهروب... إلى العراق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إصرار الرئيس الأميركي جورج بوش على إعادة إنتاج استراتيجيته السابقة في العراق ومنطقة «الشرق الأوسط» مع تعديلات طفيفة أدى إلى تفجير ردود فعل عنيفة من جهات مختلفة داخليا ودوليا. الحزب الديمقراطي الذي يسيطر على الكونغرس في غرفتيه اعتبر خطة بوش «أسوأ خطأ منذ حرب فيتنام». ودعا بعض أعضاء الحزب إلى مقاومة سياسة الجمهوريين في الكونغرس والضغط على الرئيس ومنعه من التصرف كما يحلو له. كذلك جاءت تعليقات القوى المحايدة أو الخائفة على خسارة مواقعها الجمهورية في الانتخابات النصفية المقبلة غير مشجعة نظرا إلى عدم شعبية الحرب وعدم وجود ضمانات بإمكان نجاح الخطة الجديدة خلال فترة العامين.

بريطانيا رحبت بالخطة ولكنها أكدت أنها لن تزيد عدد قواتها بل تفكر بسحب ثلاثة آلاف جندي خلال الشهور الستة المقبلة. ورئيس وزراء أستراليا المؤيد لسياسة واشنطن أيد الخطة ولكنه لم يشر إلى استعداد حكومته للمزيد من التورط في الحرب. وباستثناء الموقفين البريطاني والأسترالي جاءت مختلف المواقف الدولية والإقليمية والعربية غير مشجعة أو رافضة. فرنسا أعربت عن عدم تأييدها لخطة بوش العسكرية معتبرة أن استراتيجية الحل سياسية. والصين تعاملت بحذر مع الخطة مشيرة إلى ضرورة أن يتمكن أهل العراق من حكم أنفسهم. كذلك اعتبرت إيران الخطة «هدية غير ملائمة للشعب الأميركي» بينما رأت سورية فيها محاولة «صب الزيت على النار» وأكدت أهمية «الحل السياسي للخروج من الأزمة».

أما العراق وهو الطرف المعني مباشرة بالخطة فقد صدرت بشأنها وجهات نظر تفاوتت بحسب المواقع والأطراف. وعموما جاءت ردة فعل الحكومة متجاوبة مع الخطوط العريضة للاستراتيجية البديلة معتبرة الخطة «جيدة وخاضعة إلى التطوير» في وقت أعلنت الأطراف السياسية المساندة أو المتفهمة للمقاومة العراقية أن مشروع بوش سلبي ويرفع من وتيرة الحرب ويعرض البلد إلى مخاطر أمنية وأهلية.

إجمالا كانت ردود الفعل غير مناسبة للرئيس الأميركي الذي قرر أن يتحدى الجميع ويذهب في اتجاه معاكس لكل الاحتمالات والتوقعات. فهو كما يبدو قرأ نصائح وتوصيات تقرير بيكر - هاملتون من اليمين إلى اليسار ومن تحت إلى فوق مخالفا كل تلك الإشارات التي وردت في أوراقه. وهذا النوع من العبث يعود إلى مجموعة معطيات من بينها تقرير اللجنة المكلفة بدراسة الحرب على العراق. فالتقرير استطرد في توصياته وتشعب وتهرب من تقديم موقف واضح بشأن الانسحاب. وعدم وضوح التقرير فيما يخص المسألة المركزية للأزمة أعطى إدارة بوش ذاك المجال للمناورة والتهرب من الدخول إلى الموضوع مباشرة. وبسبب تلك التوصيات العامة التي تحدد مصادر الحل لجأ بوش إلى قلب الفقرات واعتبر أن «مصادر الحل» هي مكامن الأزمة.

هذه القراءة المعاكسة التي قضت بالهروب إلى العراق لا الانسحاب منه عززها بوش بوجهات نظر أخرى استند إليها منطلقا للهجوم المضاد، فهو تعامل مع التقرير المرفوع بصفته واحدا من وجهات نظر متخالفة في تقييم الموقف وتقدير نتائج الحرب.

ذريعة بوش

الذريعة الأساسية التي تشكل ورقة قوية في يد بوش هي تلك التي يرفعها دائما بوجه المعارضين والمؤيدين وتتلخص في فكرة بسيطة تقوم على سؤال: ماذا تريدون أن أفعل؟ ومن هذا السؤال يستخرج بوش مجموعة أسئلة تخيف كل الجهات الديمقراطية والجمهورية ومؤسسات التصنيع الحربي وشركات الطاقة ودافع الضرائب وأمن المواطن. وتشكل تلك الحزمة من الأسئلة مجموعة أوراق يتلاعب بها بوش على طاولة «البيت الأبيض» مثل: هل تريدون أن أنسحب من العراق وأترك المنطقة للإرهابيين؟ هل تطلبون مغادرة أخطر منطقة استراتيجية في العالم من الناحيتين الجغرافية والنفطية؟ هل توافقون على تعريض أمن «إسرائيل» للخطر وتهديد استقرار الدول المعتدلة أو الصديقة للولايات المتحدة؟

هذه الأسئلة هي أوراق قوة يستخدمها بوش دائما بمنهجية سيئة لإحراج القوى التي تطالب بالانسحاب، فهو يستند إليها للضغط على المعارضة من خلال ربط الانسحاب بالانهيار العام للمصالح الأميركية في منطقة حيوية وواعدة وتشكل نقطة توازن في المعادلة الدولية ولا تستطيع واشنطن أن تستغني عنها مهما كانت الكلفة البشرية والمالية.

ربط بوش فكرة الانسحاب بانهيار الاستراتيجية العامة يشكل ورقة قوية في يده وهي الورقة التي استخدمها ضمنا للإعلان عن خطته السيئة. فالربط يحرج المعارضة ولكن الخطة جاءت سلبية وساذجة لأنها أعادت ترتيب الاستراتيجية الأميركية على فكرة «النقص في القوات». وهذا يعني أن رؤية بوش لم تتجاوز الأفق العسكري ولاتزال قاصرة سياسيا على الإحاطة بكل عناصر الأزمة.

فكرة «النقص في القوات» جرَّت خطة بوش إلى سلسلة ثغرات منها أنه يربط الزيادة في القوات بفترة زمنية يعتبرها كافية للسيطرة الأمنية على وضع أهلي متفجر. كذلك يربط الفكرة بتحميل الحكومة العراقية مسئولية الاضطراب السياسي. ثم يربطها بتحميل سورية وإيران مسئولية تشجيع المنظمات «الإرهابية» على ارتكاب تلك العمليات من هجمات أو تفخيخات أو ضربات انتحارية. وأخيرا يعد الدول الصديقة والحليفة بنشر صواريخ «باتريوت» في المنطقة لحمايتها من هجمات إقليمية.

فكرة «النقص في القوات» شكلت أساس الخلل في خطة بوش. فهي افترضت أن الثغرات في العراق أمنية وليست سياسية، وأن المشكلة سببها عدم وجود قوات كافية لمواجهة شبكات المقاومة، وأن الأخطاء تبدأ من ذاك «النقص» وبالتالي لابد من سد الثغرات وفي حال سدها تنتهي المشكلة. وبرأي بوش أن هذا الخطأ هو الوحيد الذي ارتكبه في العراق، إذ إنه لم يقدر جيدا ردة فعل العراقيين على الاحتلال، ولو وافق من البداية على إرسال قوات ضخمة لما حصل في بلاد الرافدين ما حصل. أما ما تبقى من أخطاء وثغرات وحوادث وفوضى فهي نقاط لا تتحمل مسئوليتها الولايات المتحدة.

هذا النوع من الاختزال للمشكلة يكشف عن وجود «نقص» في التفكير الاستراتيجي لإدارة بوش. فالنقص ليس في القوات بل في ذاك العقل الذي يدير «البيت الأبيض». ومثل هذا العقل الناقص يولد سياسات ناقصة في القراءة العامة للأزمة التي تورطت فيها واشنطن وتورطت معها المنطقة كلها.

الآن وبعد إعلان بوش عن خطته الناقصة بات على شعب العراق ودول الجوار ومختلف المراكز والمواقع الإقليمية تحمل النتائج السلبية لتلك السياسة التقويضية التي اتبعتها واشنطن خلال السنوات الخمس الماضية. والاحتمال المرجح خلال السنة الجارية أن حكومة المالكي لن تكون في موقع يسمح لها بتحمل مسئولياتها، كذلك لن تكفي زيادة القوات في احتواء العنف والانهيار الأهلي، كذلك لن تنجح سياسة الإعمار المتسرعة في ضمان الاستقرار وإنعاش الاقتصاد ووقف الانهيار. أما الرهان على شبكة صواريخ «باتريوت» الجوية فهو لن يعدل موازين القوى البرية.

كل هذه المراهنات على سد «النقص» لا تقدم ولا تؤخر. ومن يعجز أن يعطي صورة واضحة عن البديل العراقي خلال أربع سنوات من الحرب فهو بالتأكيد سيفشل في تقديم حلول معقولة عن نموذج فاشل خلال تسعة أشهر. فالمشكلة أساسا ليست في «نقص القوات» ولا في تلك المدة المتبقية من ولاية بوش الثانية، ولا في ضعف الحكومات العراقية التي اصطنعها أساسا الاحتلال، ولا في كيل الاتهامات للقوى المحلية أو الإقليمية وتحميلها مسئولية الفشل... المشكلة تكمن في إدارة بوش، والخلاص منها يشكل نقطة مركزية لإعادة تدوير زوايا الاستراتيجية الأميركية دوليا وعربيا. وردود الفعل المتنوعة والمتحفظة على الخطة تعتبر بداية جيدة في السياق المذكور.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1590 - الجمعة 12 يناير 2007م الموافق 22 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً