العدد 1589 - الخميس 11 يناير 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1427هـ

الزحف النووي الهندي 1/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بينما ينشغل العالم بالمفاعل النووي الإيراني، وتتفاعل الخلافات الدائرة بشأنه على المستويين العلمي والأمني والسياسي، بدأت بعض المعلومات تتسرب حول تطور المشروع النووي الهندي الذي يفترض أن يتم بالتعاون مع الولايات المتحدة. ورشحت تلك المعلومات بعد أن وافق الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ) على مشروع اتفاق يمهد الطريق لتعاون تاريخي بين الولايات المتحدة والهند في مجال الطاقة النووية على رغم معارضة مناصري الحد من التسلح للاتفاق بين الدولتين. ولمواجهة ذلك الاتفاق، عقدت جمعية الحد من انتشار الأسلحة The Arms Control Association ACA ندوة ناقش فيها نخبة من الخبراء قضايا متنوعة تتعلق بالقضايا المرتبطة بالتعاون النووي بين الولايات المتحدة والهند.

وأعلن الرئيس جورج دبليو بوش أن إقرار الصفقة الجديدة من أولويات إدارته، وخلال انتخابات التجديد النصفي الأخيرة تسبب الاقتراح بشأن تلك الصفقة النووية في إثارة ضجة قومية بين صفوف السياسيين وخبراء منع انتشار السلاح النووي وحتى على مستوى عامة الشعب الأميركي. ولمعرفة خلفية الموضوع والأهمية التي يمثلها، لابد من العودة إلى مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية صبيحة يوم السبت الموافق 8 أبريل/ نيسان 2006 قالت فيه إن اتفاق التعاون النووي بين الهند والولايات المتحدة الأميركية يمكن أن تهـز النظام العالمي بأكلمه، وذلك على رغم أن الصحيفة أشارت حينها إلى صعوبة موافقة الكونغرس الأميركي على الاتفاق، لكنها ذكرت، أنه وباستثناء قرار اجتياح العراق فإن القليل جدا من قرارات الرئيس بوش تمتلك القدرة على إحداث تغييرات سياسية وأمنية واقتصادية وجيوسياسية واسعة تكون بمقدورها إحداث هزة في النظام العالمي، إلا أن اتفاق التعاون النووي بين الهند وأميركا تمتلك هذه القدرات حيث يجمع على ذلك مؤيدو الاتفاق ومعارضوها. ونشرت الصحيفة في ذلك المقال وجهتي نظر، الأولى تؤيد الاتفاق وترى فيها أهمية استراتيجية لمصالح أميركا في المنطقة إذ تدعم الاتفاق جهود واشنطن للحد من الانتشار النووي، كما أنها تضع أولى دعامات مراحل التعاون الاستراتيجي المستقبلي بين الهند وأميركا لاحتواء الصين، وفي هذه النقطة يجب بالطبع منح الهند صفة القوة الإقليمية. ومما جاء في التقرير الذي استخدمته الصحيفة، أن هذا الإتفاق يأتي بعد ثلاث عقود من معاملة الولايات المتحدة للهند كدولة غير ملتزمة نوويا، لكن يبدو أن الرئيس بوش قرر طي صفحة الماضي ومعاملة الهند على أساس أنها حليف استراتيجي مستقبلي في المنطقة الآسيوية التي تشهد تحولات كبيرة وسريعة، وسيكون بعد إجازة الاتفاق بمقدور الهند شراء أية مفاعلات نووية جاهزة في حين لايزال بمقدور الهند انتاج وتطوير ترسانتها النوويـة.

ومن ضمن الأسرار التي نشرتها الصحيفة في ذلك المقال هي أن الهند عملت بشدة وبشكل قوي للحصول على اعتراف أميركي بها كدولة نووية. وشهد مطلع مارس/ آذار 2006 الاتفاق شبه النهائي على الاتفاق لها بين الطرفين؛ إذ أعلن خلال زيارة الرئيس الأميركي بوش للهند في مطلع مارس 2006 عن الانتهاء من التفاوض حول نقاط الخلاف بشأن هذا الاتفاق، وتبقى موافقة مجلس الشيوخ الأميركي.

ويسمح هذا الاتفاق بتقديم أميركا تكنولوجيا نووية للهند لاستخدامها في الأغراض السلمية، وتحديدا في مجال توليد الطاقة. ويثير هذا الاتفاق منذ الإعلان عنه في يوليو/ تموز 2005 مجموعة من الأسئلة حول مصلحة الهند في هذا الاتفاق، ومدى تأثير وجوده على التوازنات بين القوى في تلك المنطقة الساخنة منذ منتصف القرن الماضي. ويبدو أن التحالف النووي بين الولايات المتحدة والهند الذي كرسه هذا الاتفاق، أعاد كتابة قواعد النظام النووي العالمي، بقبول الهند كدولة نووية يجب دمجها في النظام النووي العالمي، وخلق استثناء رئيسي للقوانين الأميركية التي تحظر على الولايات المتحدة تقديم أية مساعدات نووية لدول لا تقبل المراقبة الدولية على منشآتها النووية كافة. وهكذا، فإن هذه الزيارة شكلت بداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين واشنطن ونيودلهي... والحقيقة أن إدارة بوش رفضت منذ البداية التعامل مع الهند من منظور عدم الانتشار النووي، ولكنها دائما كانت تعتبرها بمثابة حليف طبيعي واستراتيجي مهم في آسيا، بفضل وجود الكثير من الصفقات المشتركة والأهداف والمصالح المتداخلة. فإضافة إلى أنهما ثاني وثالث أكبر الدول من حيث عدد السكان فإن الهند وأميركا أكبر ديمقراطيتين في العالم، وعلى رغم أن الهند لاتزال دولة نامية، فإنها تمتلك أسرع اقتصادات العالم نموا بعد الصين، كما تعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري مع الهند إذ تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 18 مليار دولار خلال العام الماضي، فضلا عن أن أميركا هي أكبر مستثمر أجنبي في الهند وتخصص نحو 4 في المئة من تأشيرات الدخول للعمل فيها لخريجي الجامعات والمعاهد الهندية في مجال تكنولوجيا المعلومات، وقد أعلنت مرارا أنها ترغب في مساعدة الهند لكي تصبح قوة عالمية رئيسية في القرن الحادي والعشرين. ومنذ قيام الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بزيارة الهند في العام 1999، وعلاقات البلدين تشهد نموا مطردا، إذ تم خلال هذه الزيارة وضع أسس التعاون والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وهو ما تدعم بصورة أكبر في أعقاب زيارة رئيس الوزراء الهندي السابق بيهاري فاجباي إلى الولايات المتحدة. وأثار اتفاق التعاون النووي بين واشنطن ونيودلهي بدأ يثير نقاشا ساخنا داخل كل من الولايات المتحدة، خصوصا مع زيارة الرئيس بوش إلى للهند في مطلع مارس من العام الماضي... ومن جانبها، قدّمت الهند إلى الولايات المتحدة حينها خطّة لفصل منشآتها النووية المدنية عن العسكرية ومازالت تنتظر الردّ الأميركي على هذه الخطة، إذ ينص أحد بنود الاتفاق الهندي الأميركي على التزام الهند بوضع خطة مرحلية لفصل منشآتها النووية السلمية عن العسكرية، وتقديم إعلان بذلك إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هناك ملمح رئيسي في أداء الهند تجاه قضية التسلح النووي منذ شروعها في بناء قدراتها النووية بعد حصولها على الاستقلال في العام 1947، ويتمثل هذا الملمح بأن امتلاك الهند للأسلحة النووية مسألة تتعلق بالأمن القومي الهندي، يتفق عليها كل ألوان الطيف السياسي في الهند؛ لذلك لم تفرط الهند في منشآتها النووية العسكرية وجعلتها خارج نطاق الاتفاق الأميركي، فضلا عن تفردها من دون تدخل من قبل الولايات المتحدة بتحديد أي من المفاعلات النووية الهندية يخضع للتصنيف المدني وأيها يعتبر عسكريا. ولعل ظاهرة الذاتية الهندية أهم ما يميز أداء السياسة الهندية في تعاملها مع الخارج قديما وحديثا، وحتى تجربتها الاقتصادية وانفتاحها على ما سمي “اقتصادات العولمة” فللهند أداء متميز؛ إذ عظمت من إيجابيات الاندماج في الاقتصاد العالمي، ورفعت كثيرا من معدلات التنمية البشرية لديها مستفيدة من برامجها التعليمية؛ إذ تحصل الهند على نحو 12 مليارا صادرات في مجال صناعة البرمجيات التي تستهدف بشكل أساسي خطط التنمية الهندية، ولا أدل على ذلك من إنتاج جهاز الكمبيوتر “لاب توب” بتكنولوجيا هندية خالصة للمساهمة في محو الأمية، فضلا عن تجربة الهند المتميزة في الصناعات الصغيرة والتي تمثل نوعا متفردا من الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص؛ وهو ما ساعد على انخفاض معدلات الفقر بالهند إلى نحو النصف عما كانت عليه في العام 1990.

مصالح الهند من الاتفاق

لقد شهد العام 1998 تدشين القوة النووية الهندية، بالإعلان عن تفجيراتها النووية، والتى كان لها مردود سلبي محدود النطاق على الاقتصاد الهندى. بما جلبته من عقوبات واجهتها الهند فى غالبية دول العالم الصناعية. وبمرور الوقت، اضطر المجتمع الدولي أن يرضخ لفكرة عدم تخلي الهند عن برنامجها النووي، خصوصا أنه لم يكد يمر ثلاثة أسابيع على إعلانه إلا وكانت التفجيرات الباكستانية قد انطلقت هي الأخرى.

يشار في هذا الصدد إلى أن الهند كانت قد أعلنت أن قوتها ليست هجومية، وأن ترسانتها النووية تهدف إلى إضفاء نوع من الصدقية على قوتها الرادعة. كذلك شهد العام 1998 طفرة استثمارية فى المجالات العسكرية، إذ قفزت موازنة الدفاع من 13 في المئة إلى 25 في المئة سنويا، وحرصت المؤسسة العسكرية على حيازة المعدات التكنولوجية الحديثة، بهدف بناء قاعدة تحديث عريضة، ودعم المهارات التخطيطية، فضلا عن التعاطي مع مشكلات التسلل إلى الهند عبر الأراضي الخاضعة للسيادة الباكستانية. وهكذا أصبحت القوة العسكرية للهند ترشحها لممارسة دور أكثر محورية في الشئون الآسيوية والعالمية. وعودة إلى الاتفاق النووي بين الهند والولايات المتحدة، فمما لا شك فيه أن الهند قد حققت مجموعة من المصالح من خلال قبولها لهذا الاتفاق. ولا يعني ذلك أن الجانب الأميركي خرج من هذا الاتفاق خالي الوفاض، ولكن له مصالح معتبرة على صعيد هذا الإقليم، في مقدمتها تنغيص حال التفرد التي تزداد يوما بعد يوم لصالح الصين، وأيضا كسب قوة لها اعتبارها في الإقليم - وهي الهند - في حرب أميركا المعلنة ضد البرنامج النووي الإيراني، وأيضا تنشيط الشركات الأميركية العاملة في هذا المجال بعد أن شهدت نوعا من الركود في المرحلة الماضية. وتبقى نقطة مهمة لابد من إيضاحها فيما يخص علاقة الهند وأميركا، وهي أن كلا من الطرفين يعلم بحقيقة مصالح الآخر، وقد اتضح ذلك من خلال نشر مذكرات وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر والتي أوضحت أن مواقف أميركا في العلن كانت بخلاف ما كان يتم تدبيره سرا ضد الهند، خصوصا ما كانت توصف به رئيسة الوزراء الهندية الشهيرة أنديرا غاندي (كانت بعض الدوائر السياسية الأميركية تصف رئيسة الوزراء الهندية بالعاهرة، وهذا ليس لشيء إلا لأنها تمسكت بحقوق بلدها في امتلاك السلاح النووي وعدم خضوعها للابتزاز الأميركي)؛ إذ كانت داعمة للبرنامج النووي الهندي. وقد واصل سياستها ابنها راجيف الذي تولى زمام الأمور في الهند في مطلع التسعينات.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1589 - الخميس 11 يناير 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً