العدد 1589 - الخميس 11 يناير 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1427هـ

الالتقاء المريب بشأن إعدام صدّام حسين

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

قبل أيام من الغزو العراقي لدولة الكويت الشقيقة، وكنّا مبتعثين للدراسة في جامعة البحرين، ذهب أحد الطلاب لمقابلة أستاذ مصري في اللغة العربية في مكتبه ليشرح له بعض الأمور، فكان يضرب المثل مبتهجا بسيف العرب صدّام حسين، وبلاغته في ما يلقيه من خطب وبيانات.

بعد أيام وعندما حدث الغزو، ذهب اليه الطالب نفسه، فكان حزينا مرتبكا ويفكّر في الرحيل في أقرب فرصة! وكان يقول بلهجته العامية (المجنون ده حيعمل فينا ايه). حينها بدأت الأساطيل والجيوش تترى على المنطقة، ولم تلبث أن اشتعلت الحرب وأخرجت القوات العراقية من الكويت الشقيق.

الأعمال الإجرامية التي قام بها الطاغية، وخصوصا أثناء غزوه للكويت وضربه للمملكة العربية السعودية الشقيقة الكبرى، دفعت أحد أكبر علماء الدين بالمملكة، الشيخ عبدالعزيز بن باز لإصدار فتوى سنة 1991، حين سئل عن صدام حسين، جاء في مقدمتها: «هو كافر وإن قال: لا إله إلا الله، حتى ولو صلّى وصام، ما دام لم يتبرأ من مبادئ البعثية الإلحادية، ويعلن أنه تاب إلى الله منها وما تدعو إليه...»، وكان ذلك جزءا من جواب على السؤال الآتي: «هل يجوز لعن حاكم العراق؟ لأن بعض الناس يقولون: إنه ما دام ينطق بالشهادتين نتوقف في لعنه، وهل يجزم بأنه كافر؟ وما رأي سماحتكم في رأي من يقول: بأنه كافر؟». وهكذا أصبح صدّام بعد غزوه للكويت مسبة على ألسن العرب، كل العرب، بعد أن كان سيف العرب وحامي البوابة الشرقية وبطل القادسية وقعقاع العصر.

وفي ظل كلّ هذه المعطيات، يصعب تعقل الاندفاعة الحالية في الدفاع عن صدّام واعتباره شهيدا، ويشتد العجب حين يأتي هذا الدفاع ممن حرّض عليه ومهّد لإسقاطه وفتح مطاراته وقدم التسهيلات العسكرية لغزو العراق. وحتى الذين كفّروه وفقا للفتوى الآنفة الذكر، وغيرها من فتاوى صدرت من علماء الدين وشيوخ السلفية أيضا، اليوم يترحمون عليه ويعتبرونه شهيدا بطلا مقداما قاوم الطغاة! وتراهم يبكونه، وأشاد به أحد كبار شيوخ السلفية، الذي يعتبر - بحسب تعبير بعض الكتّاب - «ممثل التيار العلمي السلفي والمدرسة المحافظة في نجد»، بينما ألقى آخر من مشايخ الدين في المملكة الشقيقة قصيدة رثاء في صدّام.

أما الشيخ القرضاوي فقد انتقد إعدام الرئيس العراقي السابق في أول أيام عيد الأضحى المبارك وما رافقه من مظاهر اعتبرها بأنها تدخل في باب الشماتة التي نهى عنها الإسلام، وهذه نتفق مع الشيخ فيها تماما ومن دون تردد. ولكن الغريب أن يدّعي الشيخ الذي نجلّه ونحترمه، أن إعدام رجل يستحق الموت وفقا للشرع الإسلامي، كصدّام، سيشعل النزعة الطائفية، هذا مع أن الشيخ معروفٌ عنه اعتداله ورجاحة عقله، حتى أنه ألقى خطبة الجمعة سنة 1999 بعد اغتيال الشهيد السيدمحمد صادق الصدر (والد السيد مقتدى الصدر) وأشاد بالعطاء العلمي لعائلة الصدر، وذكّر بأن هذا الاغتيال قد سبقه قتل المفكر الإسلامي الكبير الإمام محمد باقر الصدر سنة 1980.

من الغريب جدّا أن يصبح الطاغية شهيدا بحسب أطرافٍ كانت تكفّره، فهذه جدّا كبيرة، ولا يمكن أن تمر من دون مساءلة بشأن الهدف الذي تسعى له بعض الأطراف الرسمية التي انتقدت إعدامه، وهي أول من مهّد بل شارك عمليا وماديا في إسقاطه. وكذلك فإن ما يثير الانتباه ذلك الالتقاء الغريب بين التيارات الدينية المتشددة والتيارات العلمانية، واستخدام ورقة صدّام (السنّي) الذي قتله (الشيعة) من أجل التحشيد ضد ما أسموه بالخطر الصفوي الوهمي الذي يتهدّد أهل السنة والجماعة!

هذا الالتقاء الحميم عبّر عنه أحد الكتّاب بالعناق بين الروح العربية القومية والروح الإسلامية الشرعية! وهذا الكاتب من دولة مجاورة من مروّجي دعاوى محاربة «الصفوية»، ويكتب في صحيفة محلية معروف عنها حب إثارة الفتن، ومجرد التأمل في تعبيره يتضح مدى فجاجة الطرح والاختلال الكبير الذي لا يداويه تفسير سوى الالتقاء على هدف قد بيّته هؤلاء يكمن في إثارة النعرات الطائفية بين المسلمين، ولو مقابل دم طاغيةٍ مجرمٍ كصدّام حسين.

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1589 - الخميس 11 يناير 2007م الموافق 21 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً