العدد 2243 - الأحد 26 أكتوبر 2008م الموافق 25 شوال 1429هـ

بالنتيجة... عَالم بلا خاتَمي سيكون أعدل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سَعْيُ السيد خاتمي لإقامة مفاضلة بين التعصب والتسامح، والرُشْدِ والجهل، والنجاح والإخفاق لأجل التكسّب الانتخابي لهو أمر مُستغرب. كما أن عدم ربطه الموضوعات بمصاديقها وظروفها سيفضي به حتما إلى نتائج مُهلهلة.

خاتمي رجل مثقف. وثقافته قد تُسعفه لأن يقرأ ما كتبه غيرشون غورنبيرغ. هذا الرجل كتب أشياء كثيرة، من بينها القيم اللازمة للمصالحات السياسية، وعلاقة التشدد بالاعتدال. وخص في ذلك ما يجري بين الفلسطينيين والصهاينة.

قال غورنبيرغ: «إذا قُمتَ بالمفاوضات من دون تصميم قاطع على التوصل لاتفاق سلام، فإنك ستنتهي بالمزيد من المستوطنات. هذا كان نمطا ثابتا على مدى الأربعين سنة الماضية». لقد قال غورنبيرغ هذا الكلام عندما صُدِمَ بما آلت إليه الأوضاع بعد اثنتي عشرة مبادرة سلام بين العرب والصهاينة.

لقد أفضت عملية السلام لأن يُشيّد الكيان الصهيوني 2600 وحدة سكنية في الضفة الغربية. وزادت في عدد مناقصات البناء بنسبة 550 في المئة. وأصبحت الزيادة عن ذلك الرقم تلامس الثمانية والثلاثين ضعفا عن العام الماضي في القدس الشرقية!.

بالتأكيد فإن التصميم القاطع هنا والذي يدعو إليه غورنبيرغ هو اكتساب الأدوات اللازمة لتحقيقه. وهي تشمل كل شيء يُمكّنك من ليّ ذراع الخصم لكي يجلس معك. وربما كان الايرلنديون مبدعين في جعل مفهوم السلام لديهم أكثر جدوائية من غيرهم.

وفي هذه الحيثية تجب الإشارة إلى أن صناعة أنظمة حليفة (أو تلوّنها بعباءة الاعتدال) لا يُنتج بالضرورة شعوبا ناعمة أو مُهادنة. ففي عهد الرئيس خاتمي (المعتدل) كانت نتائج مسح منظمة غالوب للرأي العام الإسلامي هو أن شعوب إيران والسعودية وباكستان الأشد عداوة للولايات المتحدة الأميركية.

وأن معظم وزراء حكومة تارو آساو اليابانية يتبنّون أفكارا تدعو إلى مراجعة ما كُتِب عن سجل اليابان في الحرب العالمية الثانية، مع أن ثمانية عشر وزيرا فيها هم لسياسيين كان آباؤهم أو أجدادهم رؤساء سابقين، وعشرة من الوزراء هم أبناء برلمانيين من أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي (راجع مقال كريستيان كاريل).

من هنا أقول: إن ما قام به السيد خاتمي من تنعيم مُفرط في المسلك السياسي مع الخصوم لتحييدهم أو جرّهم لطاولة مستديرة لم تنفع. لأنه لم يكن مُصمّما إلاّ على الظهور بحلّة الاعتدال دون «تصميم». ناهيك عن مجتمع حائر ما بين ذاكرة بائسة تجاه العدو وممارسة جديدة بلا كوابح. لقد كانت خدعة بصرية ناجحة.

إن سياسة خاتمي الانفتاحية لم تجعل الولايات المتحدة تقبل بأن يحضر وليام بيرنز مفاوضات نووية مع إيران في محادثات جنيف بعدما كانت تتمنّع عن ذلك بالإطلاق، لكن سياسة نجاد المتشددة حوّلت ذلك التمنّع الأميركي إلى قبول وإقرار.

سياسة خاتمي الانفتاحية لم تمنع جورج بوش من أن يُسمّي إيران ضمن محور الشر عندما كان هو في السلطة، لكن سياسة نجاد المتشددة جعلت من بوش الابن يجلس «مُكرها» مع الإيرانيين في العراق، وأن يعترف بهم كقوة رئيسية في معادلاته بعدما كان ينعتهم كأحد أضلاع محور الشر.

سياسة خاتمي الانفتاحية لم تجعل الولايات المتحدة تقبل بأن تُركّب إيران ثلاثة من أجهزة الطرد المركزي (فقط) إبّان وجوده في السلطة، لكن سياسة نجاد المتشددة جعلت من واشنطن تقبل بأن تُركّب طهران ثلاثة آلاف جهاز طرد مركزي!.

سياسة خاتمي الانفتاحية لم تقلب معادلة «التعليق من أجل التفاوض» إلى «التفاوض من أجل التعليق» لكن سياسة نجاد المتشددة دفعت الأميركيين للقبول بذلك والقبول أيضا بأن يتم التعليق لستة أسابيع فقط.

يعجز السيد خاتمي اليوم عن تعيير الرئيس أحمدي نجاد بضعف الأداء السياسي في علاقاته الخارجية، ومدّ الجسور إلى الإقليم. فهو لايزال (أي خاتمي) يأخذ مكانه بين المتفرجين السياسيين، وبالتالي فإن أفضل شيء يُمكن أن يفعله هو اللوم والانتقاد وتعفير بدائله الناصعة.

هو يُدرك أنه وفي عهد أحمدي نجاد وقّعت إيران عقودا للطاقة تجاوزت العشرين مليار دولار حتى نهاية العام 2007 رغم القرارات الأممية الثلاثة. وهو يُدرك أنه وفي عهد أحمدي نجاد بلغت الاستثمارات الأجنبية منذ مارس/ آذار 2007 ولغاية فبراير/ شباط 2008 10.76 مليارات دولار.

في عالَم (إيراني) يحكمه أحمدي نجاد بات النفوذ الأميركي لدى أعداء واشنطن وأعداء الكيان الصهيوني لا يُرى بالعين المجرّدة. وإذا ما عُرِف ذلك فإن السياسة تقول هنا إن عالَما فيه شيء يسير من التعاون أفضل من انعدامه بشكل كامل بالنسبة للأنظمة الحاكمة.

وهنا قد أستحضر ما قاله العضو الديمقراطي في الكونغرس الأميركي عن ولاية جورجيا جون لويس عندما صوّت لصالح مشروع بوش لإنقاذ الأسواق المالية: «اعتبرت أن ثمن عدم القيام بشيء هو أكبر من ثمن القيام بشيء ما». المبادرة في قبال التردد.

فالحاجة إلى الخصوم تصبح في أحيان كثيرة أكثر إلحاحا من الحاجة إلى الحلفاء. لأن المعارك الطويلة تُنتج ساحات صراع فرعية تؤدي إلى تضخّمها وتحوّلها إلى جبهات متقدمة قد تتجاوز الجبهات الأصلية.

وهو ما يعني انتقال الصراع من تقليدي إلى شبكي/ هيكلي متسلسل تكون كلفته أكثر إرهاقا لكلا الخصمين، وعندها تضيع أخلاقيات المعركة الأصلية، وتُصبح ترفا لا فائدة تُرتجى منها، بل وتصبح التضحية من أجلها انتحارا.

بالعودة إلى المقاربة بين العهدين (خاتمي/ نجاد) تُذكّرني هذه المعادلة بصفقة أوباما / بايدن حين قال الأخير للأول إنه يوافق على أن يكون نائبا له شرط أن يكون دور بايدن هو القول: «هكذا ينبغي لنا أن نسير»! (راجع ما كتبه جوناثان آرتر).

في عهد السيد خاتمي كان الإصلاحيون المتطرفون قد تحوّطوه في ميمنته وميسرته ومن خلفه ومن أمامه. مُستشارين معلنين، وآخرين غير معلنين ممن تربطهم علاقات جيدة بخصوم البلد.

ووزراء تأزيم، وأكثر من خمسة آلاف موظف تمّ استبدالهم لصالح المشروع الخاتمي. لقد كان عهدا مسروقا بامتياز. وكان دورهم (الإصلاحيون) هو قولهم للسيد خاتمي: «هكذا ينبغي لنا أن نسير».

في عهد الرئيس أحمدي نجاد باتت الصورة مغايرة تماما وبصورة راديكالية. أحمدي نجاد لم يكترث بمحاصصة سياسية مع أحد، حتى مع التيارات المحافظة الأخرى.

بل إن أحد أسبابه خلافه معهم هو هذا الإعراض عن تسمية الشخوص بحسب التركيبة الحزبية. وقد كتبت عن ذلك عدة مرات بنقد لاذع يخصّ وجوب ضبط إيقاع العلاقات اليمينية اليمينية، وليس شيئا آخر.

بالتأكيد لست هنا في مقام التعالي على أداء السيد خاتمي؛ فهو قاد إيران الجمهورية طيلة ثماني سنوات، ومكانته داخل إيران وخارجها تبقى محفوظة، لكنني أيضا لا أستطيع أن أتثاءب وأنا أقرأ مسيرته السياسية وتصريحاته وتعليقاته في الشأن العام كالتي شرّطها قبل عودته للترشّح.

أقصى ما أستطيع قوله هنا انه من الضروري أن لا تدفع العجلة بالسيد خاتمي وهوسه بتحديث بلاده «سياسيا» لأن يقع في مشكلة. فالولايات المتحدة لم تعرف السلم إلاّ بعد 21 عاما، ولم تتحرّر من الرّق إلاّ بعد 100، ولم تسمح للنساء بالتصويت إلاّ بعد 137 عاما، لكنني أيضا أعتذر منه ومن محبيه إن حسبوا ما قلته طيلة الأسابيع الثلاثة تطاولا عليهم

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2243 - الأحد 26 أكتوبر 2008م الموافق 25 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً