اختتم مساء الخميس الماضي مؤتمر عاشوراء، الذي ينظم للعام الثالث على التوالي، إلا أن المفاجأة هذا العام أنه اختتم بعد جلسة واحدة. وتبيّن لاحقا أن هناك عدة ورش عمل تم تنظيمها خلال شهر رمضان المبارك، وفق توصية سابقة من العام الماضي.
كإعلاميٍّ متابعٍ للشأن المحلي، لا أدري مدى صوابية هذا الترتيب، فالمؤتمر الذي نُظّم تحت عنوان «إعلام عاشوراء تطوير والتزام»، لم يسمع عنه كثير من المحرّرين، ولم يحظَ بالتالي بأية تغطيةٍ إعلاميةٍ كما حدث في عاميه الأوليين.
أهمية مثل هذا المؤتمر تكمن في أنه يملأ فراغا كبيرا في عملية إحياء عاشوراء في البحرين، من حيث كونه موسما ثقافيا شعبيا، يزدحم بالكثير من الفعاليات الفنية والفكرية المتنوعة. كما من اللافت أنها عملية إحياء تاريخية يشارك فيها مختلف عناصر المجتمع، كبارا وصغارا، نساء ورجالا، المرتبط بهذه المدرسة الفقهية تحديدا، في عملية بعثٍ للتاريخ في الوجدان الشعبي العام. وهي ظاهرةٌ فريدةٌ، وميزةٌ إيجابيةٌ في هذا البلد المتسامح، إن لم يتم تأويلها بطريقة تفتيتية للمجتمع على طريقة «مآتمكم» و «مساجدنا».
من يتتبع المؤتمر عبر مسيرته القصيرة، يدرك الهم الثقافي والفكري الذي يحمله، والمسئولية الاجتماعية التي يستشعرها، وهو همٌّ عامٌ لدى شرائح واسعة من المجتمع المعني. فعملية الإحياء الديني لم تعد مجرد مواكب عزاء تطوف في الشوارع للتعبير عن حزنٍ قديم، وإنّما هناك أجيالٌ جديدةٌ لها تطلعاتٌ أكبر، لم يعد المأتم يحتويها أو يشبعها بسبب تقليدية الخطاب المنبري.
المستمع للمداخلات في ليلة اختتام المؤتمر، سيلتقط هذه الإشكالية بوضوح، فأحد الحضور انتقد توجّه الفضائيات «الشيعية» لطرح قضية كربلاء على مدار 24 ساعة، طوال العام، ما يفقد عملية الإحياء وهجها، وتصبح مادة عادية، وخصوصا مع وجود توجه آخر لعملية إعادة «العشرة» في أشهر أخرى غير محرم، وهو ما أسماه بـ «الهدر». هذا الوصف أثار استياء أحد رجال الدين، الطرف الآخر من المعادلة، ودعا إلى سحب الكلمة لأنها لا تليق. وتكلّم شابٌ آخر مستشهدا بعبارة: «لأندبنك صباحا ومساء»، وهي الفلسفة التي تقوم عليها بعض الفضائيات من تقديم «الندب» على مدار الساعة. ومع أن ذلك يتم عن قناعةٍ تامة وإيمان حتما، إلا أن هذه الإشكالية ستبقى مطروحة دون حل.
أحد المتداخلين، طبيب ورجل أعمال، طرح إشكالية أخرى تخصّ المجتمع برمّته، وهي ظاهرة الغياب عن المدارس والأعمال أيام «التحاريم». وهو أمرٌ لا يرضاه الدين الذي يقدّس العلم، ويحترم قيم العمل، ويعتبر العاملين وطلاب الرزق الحلال مجاهدين في سبيل الله. وهي قيمٌ تفتقدها مجتمعاتنا العربية إلى حدٍ بعيد.
وللحق، هذه الظاهرة قديمة وليست وليدة العقد الأخير، ولكن الجديد أن بعض أصحاب الأعمال يتخذونها ذريعة ضمن ذرائع أخرى، لرفض توظيف العامل البحريني، عن حق أو باطل. والجديد أيضا، أن الجيل السابق عندما يأخذ الإجازة كان يقضي وقته في محيط المأتم، أما اليوم فالطلبة المتسرّبون من المدرسة، إنّما يقضون أوقاتهم متسكعين في الشوارع، أو نائمين في منازلهم، أو متسمّرين أمام النت.
تبقى ظاهرة سلبية تحتاج إلى علاج، وأقدر الناس على طرحها خطباء المنبر، فكلمتهم أكثر تأثيرا من صرخات «الأفندية» التي غالبا ما تضيع في البرية
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2243 - الأحد 26 أكتوبر 2008م الموافق 25 شوال 1429هـ