يؤمن صاحب الأعمال رئيس مجلس إدارة مجموعة الكوهجي عبدالحميد الكوهجي بأن المنافسة الشريفة في السوق، واحترام المتعاملين والزبائن على الدرجة ذاتها من التعامل مع الموظفين، تحقق الكثير من المكاسب، ليس على مستوى الربح التجاري، بل على مستوى نجاح الأنشطة التجارية ونموها، ومواكبة المتغيرات المستجدة في الأسواق العالمية، ما يضمن للأعمال الاستمرارية بثبات وقوة.
مجموعة الكوهجي، واحدة من المؤسسات الوطنية التي أثبتت وجودها ومساهمتها في الاقتصاد الوطني على مدى قرن من الزمان، فقبل مئة عام، كان الجد محمود عبدالجبار الكوهجي يرحمه الله، يرسم خطوات المستقبل لعائلة من العوائل التجارية الكبيرة على مستوى البحرين والخليج، لتصبح معلما تجاريّا بارزا يشار إليه بالبنان. هذا وتحتفل شركة عبدالجبار الكوهجي في الساعة العاشرة من صباح اليوم في فندق نوفوتيل على جسر الشيخ حمد بمرور 100 عام على التأسيس.
في هذا الحوار، سننتقل مع صاحب الأعمال عبدالحميد الكوهجي الى ما قبل مئة عام... فكيف كانت البداية؟
يجيب محدثنا بالقول إن البداية، اذا قدر لنا العودة الى ما قبل اكتشاف النفط، أي الى فترة مجتمع الغوص، لم يكن هناك كما هو معروف أشهر من تجارة اللؤلؤ، لكن الجد اتجه الى تجارة الأقمشة والأغذية التي كانت تستورد من الهند، وفي الحقيقة، كانت هاتان التجارتان هما النشاطان الحيويان المطلوبان في السوق، لذلك، في فترة العشرينات من القرن الماضي، أرسل جدي كلاّ من والدي وعمي محمد الذي يكبر والدي الى الهند للدراسة، وهناك، وبعد أن قضيا فترة قصيرة من تلقي التعليم في البحرين، اتجها إلى دراسة اللغة الإنجليزية بادئ ذي بدء، ثم تخصص والدي في تصليح الراديو، وتخصص عمي في الكهرباء.
وصول السيارة الإنجليزية
*ما هي أول الوكالات التي حصلت الشركة على حقوقها؟
- بعد أن أكمل كل من والدي وعمي تعليمهما في الهند، بدآ في شق الطريق في الحياة التجارية، ومع انشاء أول محطة كهرباء حكومية في فترة الأربعينات، أنشأ الاثنان شركة للتمديدات الكهربائية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان والدي مهتمّا بتوسعة النشاط التجاري فسافر الى بريطانيا وتمكن من الحصول على حقوق الوكالة لنوعين من السيارات هما ستاندرد وجاغوار، فشركة الكوهجي هي أول شركة استقدمت السيارات الإنجليزية على مستوى منطقة الخليج العربي، ثم تبعنا الإخوة من أبناء الزياني وفخرو في النشاط، وكان سعر سيارة ستاندراد وقتذاك 5500 روبية وهي موديل 1945وبعد أن بدأ العمل في مجال السيارات، تفرع النشاط أيضا الى استيراد الإطارات والبطاريات، فحصل الوالد على وكالة بريجستون للإطارات وكان ذلك في منتصف عقد الخمسينات، وعمل والدي وعمي محمد في هذا النشاط في كل من البحرين والمنطقة الشرقية.
استمر النشاط بين البحرين والمنطقة الشرقية، وكان الوالد وعمي يتناوبان لمتابعة العمل اسبوعيا، ويتنقلان بين الجهتين، ثم تفرعت الأنشطة من السيارات الى الأدوات الكهربائية والثلاجات والمكيفات، ثم في العام 1960 وربما في أواخر الخمسينات، انفصل الأخوان، فعمي عمل في السعودية وأخي واصل في البحرين، بدلا من التناوب الأسبوعي ومشاق الانتقال والسفر، والوالد في العام 1960 حصل على وكالة ياماها للمكائن البحرية، وكانت شركتنا أول شركة من خارج اليابان تصلها تلك المكائن فكنا أول وكلاء ياماها في العالم.
المنتج الياباني... مغامرة
*يبدو أن «المغامرة» في التعامل مع بعض المنتجات وقتذاك مثيرة... أليس كذلك؟
- أود الإشارة الى أنه في تلك الأيام، لم يكن اسم المنتج الياباني على ما هو عليه اليوم، وكانت مغامرة بالنسبة إلى عمي وأبي، لكنها نجحت ولله الحمد، وهي اليوم كما تعلم أكبر شركة للمكائن البحرية في العالم، ومع العمل في هذا النشاط أيضا، وفي أواخر الخمسينات، حصلنا على وكالة سيارات ميسينجر وبيجو ورينو، ودخلنا في شراكة مع شركة محمد جلال في العام 1967، وربما في العام 1966تحت مسمى «شركة جلال والكوهجي للسيارات» فكانت سيارات الجاغوار والبيجو في شركة واحدة واستمررنا في العمل، وكنت وقت ذلك صغيرا، الى أن توفي الوالد في العام 1974، وجدى توفي في العام 1971 وعمره في ذلك الوقت 96 عاما، وكان الجد من مواليد العام 1871، ووالدي من مواليد 1911.
حين توفى الوالد، كنت أنا الوحيد الذي أتابع العمل معه، وبعد ذلك ساهم أخي عبدالله جزاه الله خيرا معي، وبعد عامين دخل معنا أخي محمود وبدأنا نحن الثلاثة نعمل معا الى حقبة الثمانينات حيث انضم الينا بقية إخوتنا في العمل، وهما جمال ومحمد، وبدأنا نعمل، وطورنا العمل في قطاع بيع الثلاجات والتلفزيونات والمكائن البحرية، ثم أضفنا الأثات قبل عام من وفاة الوالد وتشعبنا في الأثات الى أن نجحنا وافتتحنا مفروشات الكوهجي، وبدأنا نعلن ذلك في التلفزيون والكثير من المواطنين (يقول مبتسما) يتذكرون الإعلان الذي اشتهرت أغنيته :»لا تروح ولا تجي أحسن أثاث الكوهجي»، وذلك في العام 1981، وحينها فكرنا في ماذا يمكن أن يكون الجيل الثاني؟ وبعد إجراء بعض الدراسات، وجدنا أن الصناعات الكورية يمكن أن تكون المنافسة لليابانية التي كانت هي الأولى على مستوى العالم.
من «غولد ستار» الى «إل جي»
*هل يمكن اعتبار فترة الثمانينات فترة ازدهار قطاع الإلكترونيات؟
- في مطلع الثمانينات كانت هناك شركة اسمها: «غولد ستار»، وفي العام 1982 وقعنا اتفاقية الوكالة مع غولد ستار، ووضعنا في اعتبارنا في ذلك الوقت، أن الشركة لا يمكن أن تربح في السنوات الخمس الأولى، ولكن سيكون لها مستقبل جيد، وبالفعل، بدأنا في التعامل مع منتجات الشركة من الأجهزة والإلكترونيات، وفي أول تسع سنوات، لم تكن هناك أية أرباح كلية، لكن بعد ذلك بدأ الاسم ينتشر وأصبحت بضاعتها تنتشر لجودتها العالية، حتى أن الشركة غيرت اسمها من «غولد ستار» الى «إل جي»، وأصبحت واحدة من أقوى الشركات الإلكترونية في العالم، ونحن لدينا في المجموعة أقسام كثيرة، فقسمنا العمل على الإخوة بحيث يشرف كل واحد على قسم، فنحن سبعة إخوة: عبدالله هو الثاني في الترتيب بعدي، ثم محمود، جمال، محمد،سليم ثم عيسى، وتولينا أنا وأخواي عبدالله ومحمود الإدارة العليا، وتولى محمد الإشراف على منتجات «إل جي»، وجمال مسئول عن شركة أثاث ديلمون (مصنع ديلمون للأثاث) وسليم مسئول عن مبيعات الأثاث وعيسى مسئول عن مبيعات المنتجات البحرية، ويشارك معي أخي محمود في إدارة الاستثمارات.
المنافسة بين مرحلتين
*كيف تنظرون الى المنافسة في سوق محدودة كسوق البحرين؟
- من المهم الإشارة الى أن العمل في القطاع التجاري ليس سهلا ومشاكله كثيرة، وهنا، أحب الإشارة الى أن الوالد رحمه الله، كان عضوا في أول مجلس بلدي في العشرينات من القرن الماضي، ولهذا كانت مشاركته في القطاع التجاري فاعلة، وقد يعتقد البعض أن الوضع اليوم أصعب بكثير مما كان عليه في السابق، أو أنه لم تكن هناك منافسة في الماضي كما هو الوضع اليوم، لكن هذا الكلام قد يقوله من ليست لديه خبرة كبيرة ولم يعايش فترات مختلفة، ففي أيام والدي رحمه الله حين بدأ العمل في النشاط التجاري، كانت هناك منافسة شديدة بالنسبة إلى الحياة التجارية، محاطة بالمشاكل والصعوبات، واذا كان يعتقد أن اليوم أصعب من أمس أو أن الأمس لم تكن فيه منافسات، فهذا يقوله الشخص الذي لم يعش فترة طويلة، فأيام والدي كانت هناك منافسة شديدة في بيع الإطارات بين عدد من الإخوة التجار كالمناعي والمؤيد، وكنت عايشت هذا الوضع منذ صغري، وكما تعلم، كلما تتطورت الحياة يزداد التنافس، ثم شهدنا أيضا المنافسة في مجال المكيفات والأثاث، وكان لكل قطاع منافسة قوية لكن عليك أن تجتهد وتكافح وتصبر، فيما يقول فريق آخر من الشباب إنه في تلك الأيام لم تكن هناك مشاكل وتعقيدات تعترض طريق العمل التجاري، والعلاقات بين المتنافسين، وفي هذا الإطار، أتذكر أنني كنت أرافق الوالد، وكنت أراه يخرج من المنزل في السابعة صباحا، ويخصص جزءا من النهار لزيارة التجار، وبعضهم يرد له الزيارة في فترة ما بعد الظهر، لكن اللافت في الأمر، أن التجار تربطهم علاقات وثيقة آنذاك وهي سمات كل أهل البحرين في الحقيقة، فالتاجر يستقبل الفقير والغني ويتناولون الشاي والقهوة... قد تغير الوضع بطبيعة الحال وفقا للمواعيد والترتيبات الإدارية نظرا إلى تطور المشاغل ونمط الحياة، لكن لانزال نحتفظ بالتقاليد ذاتها التي هي جزء من ديننا وتراثنا وعاداتنا، في السابق، كانت هناك مشاغل كثيرة ومنافسة شديدة، لكن الحياة كانت تسير بكل بساطة وكان كل فرد يتعامل مع الآخرين كأسرة واحدة، لأن القلوب كانت صافية، بل كان المنافسون هم من الأصدقاء الذين تربطهم علاقات وثيقة.
العنصر البحريني... سند مهم
*هل أثبت العنصر البحريني النجاح لديكم وخصوصا أنكم أوليتم اهتماما لاستقطاب البحرينيين؟
- لدينا سياسة في شركتنا، وهي أننا لا نسمي الذين يعملون لدينا في الشركة موظفين، فنحن نقول إنهم جزء من أسرة شركة الكوهجي، وهم بالفعل شركاؤنا في العمل، ونحب أن يشعر المرء أنه جزء من الشركة وهذا يعطيك مجالا للشعور بالراحة واذا شعرت أن هذه الشركة لك، ستنتج بشكل أفضل ودائما نهتم بشركائنا في العمل للحصول على ما يطمحون إليه، وهو فرض من الدين في التعامل مع من هم معك، ومن هم أضعف منك، والله سبحانه وتعالى أعطاك لكي تبذل وتعطي، وهذا مبدأ توارثناه من أجدادنا وآبائنا... اذا الله أعطاك، لابد أن تظهر نعمة رب العالمين وتهتم بمن هم أضعف منك وتعين من هو أصغر وهذا جزء نهتم به كثيرا وهذا من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذلك الحال بالنسبة إلى العمل الخيري مع مؤسسات نفع المجتمع والأعمال الإنسانية، فالنعمة تتضاعف من خلال خدمة المجتمع والمحتاجين، ثم إن مجتمعنا البحريني هو أساسنا.
الفضل لله، نجحنا في سياستنا لأننا رسخنا فكرة أن يشعر كل عنصر في المجموعة بأن المجموعة ملكه، وحلاله، فجاءت النتائج طيبة، فالعنصر البحريني، حين تستعين به وتدربه يظهر مهارة وذكاء وحبّا للعمل، وكلما منحته الفرصة وجدته مثابرا، ومنذ أن شهدنا مرحلة التوسع في الأعمال، كان العنصر البحريني لدينا يعمل عن 10 أشخاص، ويخاف على حلالك كما تخاف عليه أنت، ولا يقول إن هذا (ملك راعي المحل)، بل حين يسأله أحد الزبائن أو المتعاملون عن أمر يبادر بالقول: «تفضل وآمر فأنا صاحب الحلال»، وبهذه المناسبة أشكر كل أسرة مجموعتنا من الموظفين والعمال جميعا الذين وجدنا فيهم الشعور بأن التجارة تجارتهم والملك ملكهم لذلك تمتعوا بأمانة فائقة في العمل، وهذا الطبع الطيب مترسخ في نفوس أهل البحرين، وحين تستثمره في الشباب يكون خير وبركة لراعي الحلال وللموظف، ولا ننسى أن الوازع الديني والالتزام بالتعاليم الدينية، أمر مهم في نجاح العمل.
وأضرب لك مثالا نعتز به على رغم صعوبته، فحين تعرض معرض الكوهجي للأثاث في منطقة السهلة للحريق في أحداث منتصف التسعينات، جاءنا الإخوة من مختلف مناطق البحرين ومن القرى، فهذا يعرض قاربه الوحيد الذي يملكه، وهذا يعرض بيته كدعم لنا، وهذا الشعور يجعلك تفخر بهؤلاء الناس الطيبين.
حماية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
*كيف تنظرون الى تطور القطاع التجاري وهل ستؤثر الأنظمة الجديدة لتنظيم سوق العمل على الوضع؟
- في البداية، كان التطور في النشاط التجاري ممتازا، وهذا ما ساعد على نمو التجارة في البحرين منذ الخمسينات حتى السبعينات وكانت الإجراءات تسير بسهولة، ثم مع القوانين الجديدة في الثمانينات والتسعينات، بدأت تظهر الصعوبات والبيروقراطية الإدارية، فبدأت المصارف تشدد اجراءاتها نظرا إلى انخفاض سعر النفط وبالتالي انخفاض الدخل القومي، والحكومة لم تكن في تلك الفترة تنفذ مشروعات، لكن لله الحمد، في الألفية الجديدة، عادت الأمور تتحسن من جديد، لكن الآن، وبعد تطبيق بعض القوانين والأنظمة الجديدة، ومنها إجراءات تنظيم سوق العمل، ظهرت بعض المخاوف لدى التجار جراء تحملهم المزيد من الالتزامات الثقيلة، والقطاعات التي لديها عمالة مرتفعة، تتخوف اليوم من عدم قدرتها على المنافسة وخصوصا مع الشركات والقطاعات المنافسة من دول مجلس التعاون... مثلا حين تنفذ مشروعات في البحرين، فهؤلاء معفيون من الضرائب المفروضة على القطاعات البحرينية، والمخاوف تتمحور حول كيفية مواجهة هذه المنافسة، لكن الخوف الأكبر من حالات إفلاس صغار التجار أو المؤسسات الصغيرة التي يعتبر وجودها مهمّا بل المطلوب هو تشجيع المزيد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتنشيط الاقتصاد.
*وماذا عن دور غرفة تجارة وصناعة البحرين؟
- الغرفة في الواقع، تبذل الجهد مع الحكومة ومع هيئة تنظيم سوق العمل وصندوق العمل لإيجاد الحلول للشركات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك مؤسسات الفرد الواحد لأنهم يحتاجون الى رعاية تختلف عن الشركات الكبيرة، ولابد أن يكون لدينا توجه لحماية كل الشركات من أجل ضمان استمراريتها في العمل
العدد 2243 - الأحد 26 أكتوبر 2008م الموافق 25 شوال 1429هـ