حددت وزيرة الخارجية البريطانية في نهاية العام 2006 توقعاتها بالنسبة إلى تسليم المسئوليات الأمنية تدريجيا للحكومة العراقية في المحافظات الجنوبية التي توجد بها القوات البريطانية حاليا. ومطلع العام 2007 يمثل لحظة مناسبة لتقييم التقدم الحاصل في عملية التسليم هذه.
مازالت مستويات أعمال العنف مرتفعة جدا في مناطق كالأنبار وديالى وأجزاء من بغداد. وهناك تحديات هائلة تواجه الساعين إلى تحقيق المصالحة الوطنية. ومن الممكن أنه بمواجهة مثل هذه المهمات العظيمة أن يغيب عن أعيننا التقدم الحقيقي الذي تم إحرازه في أجزاء أخرى من العراق.
تم تسليم محافظتين كانتا تحت سيطرة القوات البريطانية إلى السلطات العراقية: المثنى وذي قار. وتشير المؤشرات الأولية إلى أن العراقيين أدوا عملا مميزا في ضبط النظام واستمرار عملية إعادة الإعمار في هاتين المحافظتين. وتقف قوات التحالف على أهبة الاستعداد للمساعدة إن لزم الأمر، لكن حتى الآن لم تكن هناك حاجة إلى ذلك.
وتم تسليم محافظة النجف في شهر ديسمبر/ كانون الأول، وهو ما يعبّر عن نجاح مبدأ توقيت عمليات التسليم هذه، حينما تكون الظروف ملائمة ويكون العراقيون مستعدين لتوليها بدل فرض الالتزام الذي يمليه علينا جدول زمني غير مرن لا يراعي الظروف.
جهودنا التي بذلناها لتدريب القوات آتت ثمارها، ويعبر العراقيون المرة تلو الأخرى عن رغبتهم وقدرتهم على تولي القيادة. إن القول إن «أهل مكة أدرى بشعابها» لم يكن يوما ما أكثر تمثيلا للوضع في العراق؛ فمع إحراز تقدم في تدريب واستعدادات هذه القوات، يبرهن العراقيون على أنهم الأكثر قدرة على بسط الأمن وتحقيق الاستقرار لأنفسهم.
وفي ميسان، التي نأمل أن يكون العراقيون مستعدين لتولي المسئوليات فيها عما قريب، تقع المسئولية الأمنية عموما بأيدي العراقيين أنفسهم. وقد أثبتت حديثا القوات العراقية بشكل واسع النطاق قدراتها هذه في عاصمة ميسان (العمارة)، حين سيطرت القوات العراقية على الاضطرابات التي اندلعت بها دونما حاجة إلى مساعدة من القوات البريطانية. يعود الفضل الأكبر في انسيابية عملية التحويل حتى الآن إلى الالتزام الذي تبديه القوات الأخرى العاملة بالتعاون مع القوات البريطانية في المحافظات الجنوبية، بما فيها القوات الأسترالية واليابانية والإيطالية والدنماركية والرومانية.
لكن البصرة موضوع آخر، فتواجه القوات البريطانية والعراقية هناك تحديات أمنية أعظم، وهناك تقارير موثوقة تشير إلى اختراق الميليشيات لقوات الشرطة، ونحن على دراية تامة بهذه الصعوبات. وفي الشهور الماضية شاركنا في عملية كبيرة غير مسبوقة قادتها القوات العراقية، هي عملية السندباد، كان الغرض منها تهيئة الظروف للعراقيين لتولي المسئوليات الكاملة في هذه المدينة والسيطرة على الميليشيات.
جرت هذه العملية على عدة مراحل، وفي منطقة تلو الأخرى، لضبط النظام والتعامل مع العناصر المسيَّسة أو الإجرامية ضمن قوات الشرطة، والمضي في عملية شاملة لإعادة الإعمار. وقد حققت مراحل هذه العملية حتى الآن تقدما جيدا، وتتمتع مناطق كثيرة من هذه المدينة بظروف أفضل.
وكانت العملية العراقية - البريطانية المشتركة التي نفذت يوم عيد الميلاد، والتي كان الهدف منها إغلاق وحدة الجرائم الخطيرة التابعة لقوة شرطة البصرة، خطوة مهمة، فقد شابت هذه الوحدة سمعة سيئة بسبب مزاعم تربطها بأشنع الجرائم، وكان الكثيرون ينظرون إليها على أنها ليست إلا فرقة إعدام تكتسي زيا رسميا. وقد بدت علامات التعذيب وسوء المعاملة على الكثير من السجناء الذين كانوا محتجزين لدى هذه الوحدة. وأبدى المعنيون في النظام القضائي العراقي التزامهم بالعمل على توثيق كل ما جرى والتحقيق فيه وتقديم المتورطين لمواجهة العدالة. هذا تحدٍّ يجب على أية أمة متحضرة أن تواجهه وتتعامل معه.
بذلت المملكة المتحدة جهودا كبيرة، من خلال مكافحتها الفساد ضمن قوات الشرطة واختراق هذه القوات من قبل الميليشيات، لأجل دعم الإصلاح في السجون في جنوب العراق. فقد عملنا على تدريب ما يربو على 10000 ضابط شرطة و680 ضابط سجن في البصرة، مع تأكيدنا أهمية احترام حقوق الإنسان.
ترسل العملية المستمرة الرامية لتفكيك وحدة الجرائم الخطيرة واعتقال الكثيرين من المرتبطين بهذه الوحدة رسالة مهمة مفادها أن أسوأ مرتكبي عمليات العنف ضد المواطنين العراقيين العاديين ليسوا خارج قبضة القانون، وأن كلا من قوات التحالف والقوات العراقية جادون في التعامل بصرامة معهم.
ما برحت السلطات العراقية تمتلك قدرات أفضل وبشكل متزايد للتعامل مع عنف الميليشيات والقضاء على الفساد والإصلاح في إداراتها، وذلك على المستويين المحلي والوطني. إنها ليست مهمة سهلة، لكنها ضرورية لمستقبل البلاد.
إن من أكبر المشكلات التي تواجهها البصرة هي مشكلة البطالة. وكم هو مغرٍ لمواطن لا يجد سبيلا لتأمين لقمة العيش لعائلته أن يقبل مبالغ سخية مقابل إطلاق الصواريخ أو زرع القنابل على جانب الطريق أو الانضمام لفرق القتل. لهذا السبب دأبت بريطانيا على استثمار مبالغ كبيرة من مساعدات التنمية في أنشطة اقتصادية كإعادة زراعة شجر النخيل وتنشيط صناعة النفط المتداعية.
فطوال العقد الماضي أصبحت البصرة - التي كانت بمثابة حجر الأساس في صناعة النفط العراقية بفضل مصافي النفط وموانئ التصدير فيها - مهملة ومتداعية بشكل رهيب وغير قادرة على إنتاج حتى نسبة بسيطة من طاقتها لتصدير النفط. يجب أن تكون البصرة مدينة غنية ومزدهرة توفر فرص التوظيف وتشجع الاستثمار والنمو. ومن المحبط بشكل عميق أن يتسبب الوضع الأمني فيها وتكرار الاعتداءات الموجهة ضد البنية التحتية الصناعية والمدنية إلى إيقاف عجلة التطور فيها. لكن ومع ذلك تم إنجاز الكثير. فبحلول صيف العام 2007 ستنجح المملكة المتحدة في زيادة أو تأمين الطاقة الكهربائية بما يعادل توفيرها على مدار الساعة لمليون مواطن، وكذلك تحسين إمدادات المياه لنحو مليون مواطن في جنوب العراق وتوفر برامج خلق الوظائف أكثر من 1.8 مليون يوم عمل للعاملين ممن ليس لديهم أي مهارات، وهو ما يساعد في زيادة دخل العائلات. وتم تدريب ما يربو على 3000 امرأة وشاب وشابة في الجنوب في مجال مهارات الأعمال والشركات. وإلى جانب تبديل 200 كيلومتر من أنابيب المياه في جنوب العراق، عملت المملكة المتحدة بكل جدٍّ لتدريب المهندسين لمساعدتهم على إعادة بناء البنية التحتية في مدينتهم.
تعتبر معالجة هذه المشكلات البنيوية عاملا مهما في تجفيف موارد تجنيد الميليشيات والإرهابيين بتمويل ممن لا يستطيعون تصور أن تكون الرؤية المستقبلية لعراق قوي ومزدهر ومتحد في صالحهم.
إن العام 2007 هو عام مهم بالنسبة إلى العراق. إنه العام الذي يتعيّن خلاله على العراقيين أنفسهم، وبدعم تام من قوات التحالف والدول العربية والمجتمع الدولي، النأي بأنفسهم بعيدا عن شبح الصراع الطائفي المستمر وتوحيد جهودهم للعمل تجاه بناء عراق نشط وقوي وموحد، دولة ديمقراطية تقودها حكومة ممثلة لطوائف المجتمع كافة وتضع مصلحة شعبها في قمة أولوياتها.
وعلى رغم التحديات والعوائق الجلية أمام تحقيق هذا الهدف النبيل، فإن الغالبية العظمى من الشعب العراقي يريدون السلام والأمن والسعي إلى خلق حياة أفضل لأنفسهم ولإخوانهم وأخواتهم. هؤلاء العراقيون الشجعان يستحقون منا كل الدعم.
إقرأ أيضا لـ "كيم هاولز"العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ