في الفترة بين 13 و15 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نظّمت الجمعية البحرينية لتنمية الطفولة في البحرين «المؤتمر العالمي الأول لتنمية السمع والنطق»، شارك فيه 250 خبيرا من مختلف قارات العالم، وعدد من منتسبي الجمعيات ذات العلاقة، إلى جانب 80 من الأسر وأولياء الأمور.
إحدى الصحف أفردت حينها صفحة كاملة لتغطية المؤتمر على مدى يومين، لأنها ببساطةٍ كانت الراعي الإعلامي للمؤتمر وليس قربة إلى الله تعالى. وفيما كتبت صحيفةٌ ثانيةٌ عن المؤتمر 500 كلمة فقط من دون صورة، بحجّة عدم وجود مساحة، فإن بقية الصحف الأخرى لم تتعب نفسها بنشر خبرٍ ولو من خمسة أسطر! فالموضوع لا يتعلق بأرباب المال وتجّار الذهب ومديري المصارف، وإنما بفئةٍ قابعةٍ في الظلّ، مهملةٍ من جانب المجتمع والإعلام وحتى... الرأي العام.
المحزن أن هؤلاء الصمّ كانوا يُعامَلون فيما مضى، على مستوى الأسرة أو المجتمع، على أنهم متخلّفون عقليا! والأكثر إيلاما أن بعض ذويهم كانوا ينظرون إليهم نظرة متعجرفة، حين يسيئون فهم الآية الكريمة: «صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا...»(البقرة: 171)، مع أن الآية لا تتكلم عن أصحاب إعاقة سمعية وإنما تشبيهٌ للمعاندين من الكافرين. بل إن كبار السن منهم لقوا في حياتهم عنتا وشدة كانت تصل إلى رميهم بالحجارة، بسبب تلك النظرة الاجتماعية المتخلفة.
المؤتمر قدّم خدمات واستشارات مهمة لرعاية هذه الفئة المحرومة من نعمة السمع والنطق. من الجانب الاقتصادي، تتركز أكثريتها في الطبقات الفقيرة، بسبب عوامل شتى من بينها الوراثة وزواج الأقارب وعدم الوعي الصحي بالمشكلة حتى تتعقّد في سن متقدم، بحيث يستعصي الحل والعلاج. وكثير من المعوقين سمعيا تعجز أسرهم عن شراء سماعة أذن لا تزيد قيمتها عن 250 دينارا، وهي من شأنها إحداث تقله كبرى في حياة الطفل، من عالم الصمت الأبدي إلى عالم الأصوات والأناشيد وسماع نبضات قلب الأم ومناغاتها.
على المستوى العالمي، تشكّل فئة ذوي الإعاقات الخاصة 10 في المئة من السكان، ثلثهم من الصم والبكم، والنسبة كما ترون كبيرة. فإذا طبّقناها على البحرين سنكون أمام 70 ألف (معوق)، وما لا يقل عن 20 ألف أصم، نظريا. أما في الواقع فأتمنى ألاّ يكون العدد بمثل هذه الضخامة في البحرين.
هناك إحصاءٌ واردٌ في كتيّب «الثقافة والإعاقة (السمعية)... نموذجا» لمؤلفه فؤاد شهاب، قدّمه مع بعض المتخصّصين من خلال عمليات مسح للجهات والهيئات ذات العلاقة، يذهب إلى أن مجموع الإعاقة السمعية في العام 2001 بلغ 484 حالة لمختلف الفئات العمرية، ارتفع إلى 554 حالة في 2003. فنحن أمام زيادة 70 حالة في ثلاث سنوات، أي أن هناك 24 حالة جديدة سنويا، أو حالتين شهريا، ما يستدعي التركيز على جهود الوقاية، وضرورة الاكتشاف المبكر للإعاقة، على أمل العلاج الذي يستعصي مع تجاوز المصاب سن الخامسة عشر.
أيضا، هناك نحو 25 في المئة من الصم في المرحلة العمرية (5-14 سنة)، أي مرحلة التعليم الأساسي الابتدائي والإعدادي، وهو أمرٌ يرتبط بمدى القدرة على استيعاب هذه النسبة ضمن عملية الدمج التربوي، بحيث تكون المحصلة استفادة الطفل المعوق سمعيا من الخدمات التعليمية، فتكون النتيجة تسهيل انخراطه مع عالم الأسوياء، وتحويله إلى عضو منتج معتمد على ذاته في الحياة، بما فيها تكوين أسرة ناجحة.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ