رفض الشيخ عبدالجليل المقداد رفع الشعارات المسيئة إلى العوائل، وقال في حديث إلى «الوسط» أمس (الأحد): «لا يحق للإنسان أن يتعرض لأي إنسان أو عائلة بسوء»، وأضاف «لنا حق الاعتراض والتحفظ على الممارسات، ولكن لا يحق التعرض لأية عائلة».
وبخصوص كلمته في خطبة الجمعة الأخيرة التي أثير أنها «تضمنت تطاولا على العائلة المالكة»، نفى المقداد ذلك، وقال: «وجهت في الخطبة نقدا لمنصب الوزير ومن يشغله بعيدا عن الأشخاص، ولا دلالة في كلامي على المساس بالعائلة المالكة». وفيما يأتي تفاصيل اللقاء الذي أجرته «الوسط» مع المقداد:
*لنبدأ من التطورات الأخيرة، وما سبق لقاء وزير الداخلية، كيف بدأ الموضوع، يبدو أن الشرارة كانت من كلمة في خطبة الجمعة، هل لنا أن نتعرف على التفاصيل؟
- هذه الكلمة التي قلتها في خطبة الجمعة البعض اعتقد أني تجاوزت الخطوط الحمر وطرحت أمرا غير مألوف حينما طالبت بأن توضع وزارة الداخلية بيد شخصية وطنية يتم التوافق عليها، وأيضا ذكرت أنه ينبغي تطهير الوزارة من الأفراد الذين لهم سوابق وممن عانى الناس منهم الأمرين.
*ولكن هذا الكلام فهم منه أنه من قبيل التعدي على العوائل، ما هو تعليقك؟
- هذا المعنى ذكرته في لقائي بوزير الداخلية، بأني قصدت المنصب ومن يشغله بعيدا عن الأشخاص.
*تعاقبت التصريحات بشأن هذا الموضوع، ونشرت الصحف أن هناك لقاء جمع المقداد بوزير الداخلية، ماذا دار في اللقاء، وهل كان إيجابيا أم سلبيا؟
- الإيجابية في مثل هذه المقامات إيجابية نسبية.
*ولكن بحسب مقربين منك فإنك تحدثت عن «إيجابية اللقاء»؟
- كما قلت فإن الإيجابية نسبية من خلال ملاحظة بعض الجهات، وما يعكس عن هذا اللقاء بأنه إيجابي أم لا فهو بحسب معطيات الواقع الخارجي.
*وماذا دار في اللقاء، ما هي النقاط المهمة فيه؟
- عمدة ما كان يركز عليه الوزير وأيضا محافظ المحرق هو ألا يتم التعرض إلى العوائل، كما ذكر الوزير «لك الحق أن تنتقدني ولكن لا تتعرض إلى عائلتي»، وأكدت له أنني لم أكن بصدد الإساءة إلى عائلة، وليس لكلامي دلالة على التعرض للعائلة، وكان قصدي التعرض إلى آلية التعاطي مع القضايا.
*إذا أنت لم تستهدف الإساءة إلى أية عائلة؟
- لم تكن في حديثي أي دلالة على الإساءة إلى أية عائلة، ليس في العبارة أي سب أو تشهير، الواقع العملي يقول إن هناك سلبيات في الأداء والتعاطي مع قضايا الناس ومطالبهم ومع حركة الشارع.
*هل نفهم من هذا الكلام أن المقداد ضد الشعارات التي تمس عوائل معينة؟
- لا يحق للإنسان أن يتعرض لأي إنسان أو عائلة بسوء، لنا الحق أن نعترض ونتحفظ...
*نعترض على ماذا؟
- على ممارسات وسياسات معينة، إذا كنت أعترض على سياستك فهذا لا علاقة له بعائلتك.
*أشار وزير الداخلية في اللقاء إلى أن المنابر ليست بمعزل عن السياسة ولكن ينبغي احترام القانون، ما تعليقك على ذلك؟
- القضية على مستوى التنظير والتوصيف لا توجد بها أية مشكلة، فالدولة تقول لا نمانع من طرح مختلف القضايا على المنابر وهو حق مكفول، ولكن تبقى الإشكالية على مستوى التطبيق والممارسة. قد ترى أن هذا الطرح ليس فيه تجاوز على أحد أو مخالفة لقانون، فيما يرى الآخرون خلاف ذلك.
*فيما يتعلق بالحديث الدائر في اللقاء، ما هي تفاصيل هذا الحديث وما هي الملفات التي طرحت؟ هل لنا بمعرفتها؟
- تم التطرق إلى موضوعات كثيرة وهي ذاتها التي تطرح على المنابر، إذ طرحت معاناة أهل البحرين من التجنيس، وأشرت للوزير إلى أن الشارع يضج من عملية التجنيس، الوزير حاول التبرير أن عمليات التجنيس تتم وفقا للقانون.
*ولكن هل تعتقد أن الوزير معنيٌ بملف التجنيس؟
- (يصمت ثم يعلق): إن كان غير معني ولكن هذا الأمر يمر عبر وزارته.
*وهل من ملفات أخرى طرحت؟
- طرحت مع الوزير مسألة المشكلة الإسكانية، وقلت له نأمل أن تزور القرى لتشاهد خمس أو ست عوائل تسكن منزلا واحدا، في حين تضم البحرين أراض كبيرة يمكن إقامة مشروعات سكنية عليها.
*أيضا يتكرر هنا السؤال نفسه، هل وزير الداخلية هو معني بالإسكان؟
- ولكن الحديث كان عن الوضع الأمني المتشابك وأسبابه، وطرحت له كذلك موضوع الخدمات، وأبلغته عن التمييز في تقديم الخدمات بين منطقة وأخرى.
*هذا الكلام قد يقود إلى بعد طائفي عند البعض، ألا تعتقد أن طرح الموضوع بهذا الإطار قد يثير شيئا في النفوس؟
- هذه الإشكالية أجبت عنها أكثر من مرة، ليس من الطائفية أن يقول الإنسان إني مظلوم، لسنا بصدد طرح واقع قبالة واقع غير موجود. الواقع أن هناك قرى مهملة، لا أقول إن الظلم منحصر على طائفة معينة ولكن هناك طائفة لها النصيب الأكبر. وليس في هذا طائفية، ونحن لا نبخس الإخوة في الطائفة الأخرى، لا أسمح لنفسي أو أعطي لنفسي الحق بتناول الموضوعات الطائفية.
إلى جانب ذلك، طرحت على الوزير مشكلة البطالة وآثارها، وتحدثت كذلك عن قضية السلبيات التي تمارس من قبل الوزارة بخصوص مداهمات المنازل، وكذلك الطلقات المطاطية بواسطة قوات مكافحة الشغب، كما استفسرت من الوزير عن حقيقة الملثمين الذين يشاركون في التصدي للمتظاهرين، وذكر الوزير أن ذلك يأتي في إطار احترازات أمنية.
*أثير كثيرا أن الشيخ المقداد يتحدث من منظار طائفي ويطرح ما يثير الآخرين، وهو من أكثر ما أخذ على المقداد، والبعض وصف خطبته بالطائفية، هل من تعليق؟
- فيما نشر عني خلال الأيام الماضية لم أر ما يثبت اتهامي بالطائفية، لأن هذه الصفة لا يمكن لصقها بي، محافظ المحرق اتهمني بطرح موضوعات طائفية وطلبت منه دليلا غير أنه لم يأتِ به.
*إذا قلنا إن خطابات المقداد ليست طائفية، هل نستطيع القول إن خطاباته تدعو للوحدة؟
- أؤكد دائما على ضرورة تلاحم أبناء الطائفتين، ونحن إخوة في الدين وتجمعنا الكثير من الأمور ويجب أن نلتقي ونتوحد. أعارض أن تكون الوحدة تحت مظلة سياسية، أريدها تحت مظلة وطنية في إطار منظمات أهلية لا تتحكم فيها السياسة.
*دائما يقال إن المقداد هو شخص يطرح أن الصدام هو الحل للملفات العالقة، هل هذا صحيح، أم أن المقداد يطالب بخطوات سلمية لتحقيق المطالب؟
- هذا ما روجه بعض الإخوة الذين نختلف معهم، اتهموني بالسعي للتصعيد، والحكم بيني وبينهم هو الخطابات الموجودة. ما كنت أدعو في يوم من الأيام إلى التصعيد، ولكن دعوتي تؤكد على الاتحاد في المطالبة السلمية بالحقوق. في خطاباتي أؤكد عدم تجاوز الحدود الشرعية، وكنت أقول إن للمظلومين الكثير من الوسائل السلمية التي يمكن استخدامها، ولكن قيمنا وديننا وما نعتقد به من أحكام الشرع تمنعنا. لست مع التصعيد ولست مع الاسترخاء وحالة التخاذل.
*وماذا تعتبر التظاهرات والصدامات، هل هي أسلوب سلمي، وهل أنتم من دعاة ذلك؟
- التظاهر والاعتراض حق مكفول، أما الصدام في غالبية الأحيان فهو بسبب تدخل رجال الأمن. ولا يمكن نسيان ما شهدته مسيرة «لبيك يا حسين» من تدخل قوات الأمن وإطلاقهم الغازات المسيلة للدموع.
*إذا المقداد ليس مع العنف؟
- لست مع العنف الواقعي، لست مع ما هو عنف حقيقة، أما أن تعتبر من يخرج للمطالبة بحقه بأنه عنف، فهذا شأنك لا تلزمنا به.
*هل فعلا يمثل المقداد الغطاء الشرعي لحركة حق؟
- لست غطاء شرعيا لحركة حق أو غيرها من الجهات.
*ألست قريبا من «حق»؟
- قد نلتقي مع الإخوة في بعض القضايا وقد نختلف في قضايا أخرى، وأنا لست عدوا لحركة «حق». أنا وغيري الكثير من أبناء البلد يدعمون حقها في حركتها المطلبية.
*استقلت من المجلس الإسلامي العلمائي في وقت سابق، والمجلس يعد العدة لانتخابات مقبلة، ما هو موقفكم من هذه الانتخابات، وهل ستشاركون فيها؟
- أنا خارج المجلس وأمور الانتخابات لا علاقة لي بها. أنا خارج الجمعية العمومية.
الوسط - حسن المدحوب
فتح استقبال وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة للشيخ عبدالجليل المقداد في محافظة المحرق مساء السبت الماضي الباب على مصراعيه للحديث عن جدلية العلاقة بين نمط من رجال الدين البعيدين عن تأثير الدولة كالشيخ المقداد وبين رجل من رجالات الدولة والعائلة الحاكمة كوزير الداخلية من جهة ثانية، وكانت العلاقة بين الطرفين اتسمت بنوع من التراشق الإعلامي كان مجاله منبر الجمعة من جهة ومن جهة ثانية الصحافة المحلية على خلفية خطبة قدمها المقداد في جامع الحياك بالمحرق بتاريخ 10 أكتوبر/ تشرين الجاري، قال فيها إنه «ينبغي العمل على تخليص هذه الوزارة (الداخلية) من سلطة العائلة الحاكمة، ووضع هذه الوزارة بيد شخصية وطنية يتم التوافق عليها، كما ينبغي العمل على تطهير هذه الوزارة من أيدي المتنفذين اللذين ذاق الناس منهم الأمرّين».
وأثارت هذه التصريحات للشيخ المقداد عددا من الأقلام الصحافية التي كان أبرزها رئيسا تحرير الزميلتين صحيفتي «الوطن» (محمد البنكي) و «أخبار الخليج» (أنور عبدالرحمن)، إذ قاما بالرد على المقداد بشكل صريح، بالإضافة إلى رسالة وجهها وزير الداخلية لصحيفة «أخبار الخليج» يبين فيها موقفه من تصريحات الشيخ المقداد.
وفيما يأتي سرد لأبرز الأحداث التي رافقت تصريحات الأطراف المختلفة بدءا من الخطبة التي ألقيت وانتهاء باللقاء الذي تم بين الطرفين:
المقداد يتحدث عن «الداخلية» في خطبتي جمعة
في خطبة الجمعة بتاريخ 10 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري، قال الشيخ عبدالجليل المقداد في جامع الحياك بالمحرق خلال حديثه عن وزارة الداخلية «إنَّ حاضر الوزارة ليس أحسن من ماضيها، وماضيها ليس أسوأ من حاضرها»، وأضاف أنه «ينبغي العمل على تخليص هذه الوزارة من سلطة العائلة الحاكمة، ووضع هذه الوزارة بيد شخصية وطنية يتم التوافق عليها، كما ينبغي العمل على تطهير هذه الوزارة من أيدي المتنفِّذين اللذين ذاق الناس منهم الأمرّين».
وفي خطبته في الأسبوع الذي يليه بتاريخ 17 أكتوبر/ تشرين الثاني قال «أنا على استعداد للدخول مع وزير الداخلية في مناظرة علنية تُبثُّ عبر التلفاز بشكل مباشر؛ فإن استطعنا أن ندين وزارته على إجراءاتها القمعية، أُجري حكم القانون العادل في حق تلك الوزارة والقائمين عليها، وإن استطاع الوزير أن يديننا أُجري حكم القانون علينا».
البنكي يرد في «الوطن» على المقداد
صدرت أولى الردود الصحافية على ما أثاره الشيخ عبدالجليل المقداد على وزارة الداخلية من خلال مقال لرئيس تحرير صحيفة «الوطن» محمد البنكي بتاريخ 14 أكتوبر/ تشرين الجاري، قال فيه: «تسنح فرصة للشيخ المقداد مؤخرا في ارتقاء عتبات منبر الجمعة في جامع الحياك بالمحرق، إثر غياب الشيخ حسين النجاتي، فتنطلق من خطبه حمم نارية غريبة جدا على طابع هذه المدينة المتعايشة طائفيا، وهي العاصمة التاريخية للحكم الخليفي، فيشبه في خطبة له أواخر رمضان الماضي الوضع في البحرين بالوضع في «إسرائيل»، والنظام الحاكم في البحرين بالنظام هناك»، مضيفا «وبغير احترام الدستور ودور الأسرة المالكة والقوانين السارية في البلد وروح الوئام الاجتماعي لا يمكن التماس مغادرة حقيقية لأرضية التسعينات التي تجرنا إليها جرا عباءة المقداد المهفهفة حتى لو ادعى عدم الرغبة في استعادة سنوات الضياع وأقسم على ذلك ألف مرة ومرة».
رسالة للمقداد على صدر «أخبار الخليج»
وفي رد فعل آخر وجه رئيس تحرير الزميلة «أخبار الخليج» رسالة للشيخ المقداد بتاريخ 18 أكتوبر/ تشرين الاول الجاري تساءل فيها عن مدى معرفة الشيخ المقداد بشخص وزير الداخلية، وجاء فيها مخاطبا المقداد «اسمح لي أن أقول لك في صراحة: إن سماحتكم رجل مسيّس، وقد عرفنا أن الإنسان المسيّس لا يرى الدنيا إلا بلونين فقط لا ثالث لهما... أقول لك... إن الوطنية الخالصة لوجه الله وللوطن ليست منزوعة من أفراد العائلة المالكة الكريمة... وليست حكرا على من يرفعون أصواتهم من فوق المنابر... ومن حق عائلة آل خليفة الكرام أن يعلم الجميع عنهم».
وزير الداخلية يعقّب على مقال عبدالرحمن
في اليوم التالي لمقال رئيس تحرير أخبار الخليج أنور عبدالرحمن نشرت الصحيفة ردا لوزير الداخلية أكد فيه «أن للمساءلة طرقها المشروعة وقنواتها المعهودة»، واضاف «أما أن ينصرف الأمر إلى خلاف ذلك وإلى وجهة أخرى تمس العائلة الحاكمة فإن هذا يعتبر طرحا عنصريا يمس سائر العائلات البحرينية على حد سواء، وهو يدفع باتجاه ترسيخ الطائفية».
وأوضح الوزير في خطابه أن «صون الأمن كلفنا الكثير من التضحيات عبر التاريخ، فقد واجهت العائلة الكريمة تحديات كبيرة وصراعات مريرة وعقبات وقدمنا الشهداء في المعارك التي خضناها دفاعا عن الوطن، ولم ينل هؤلاء الشهداء حقهم في الذكر».
محافظة المحرق تحتضن لقاء الطرفين
أخيرا، التقى وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بحضور محافظ المحرق سلمان عيسى بن هندي، الشيخ عبدالجليل المقداد بمبنى محافظة المحرق. وتطرق الحديث إلى بعض ما ورد في خطب الشيخ المقداد مؤخرا، حيث أوضح وزير الداخلية أنه يدرك بحكم منصبه أن النقد الموضوعي البناء هو أمر مقبول ومتفق عليه مادام لم يخرج عن حدود المسموح به، ومن جانبه أكد الشيخ المقداد انه لم يكن يقصد المساس بالعائلة المالكة الكريمة أو أية عائلة بحرينية أو أي شخص بعينه، وانه يكن كل احترام وتقدير لجميع العوائل البحرينية
العدد 2243 - الأحد 26 أكتوبر 2008م الموافق 25 شوال 1429هـ