العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ

لبنان الذي لا يكسر... زيارة إلى الضاحية وبرج البراجنة

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

خلال مطلع سنوات الخمسينات وأنا على أعتاب الدراسة الابتدائية بمدرسة الهداية الخليفية بمدينة المحرق الزاهرة، كان الأستاذ الفلسطيني عادل فضة القادم من لبنان يدرسنا اللغة الإنجليزية. طويل القامة مفتول العضلات عالي المنكبين كما تقول العرب، إلى جانب وسامته وأناقته التي لا يخطئها المرء. في كل درس من دروسه لا يمل الحديث عن طبيعة لبنان الساحرة الخضراء وجبالها الشماء المغطاة بالثلوج. كان مغرما ومعجبا أيما إعجاب بهذا البلد الجميل الذي حبته الطبيعة بالفتنة والجمال في رقعته الصغيرة. وكان يمنينا بزيارة لبنان والتمتع بالعيش بين ربوعه. وبين حين وآخر يزودنا بعناوين طلبة لبنانيين وفلسطينيين في سننا ويحثنا على مراسلتهم إلى جانب هواية جمع الطوابع. في العام 1926 اجتمع مجلس النواب اللبناني في ذلك الوقت المبكر لكي ينتخب أول رئيس للجمهورية بعد إعلان الدستور. إنه الرئيس شارل أفندي دباس، وهو مسيحي أرثودكسي من عائلة لبنانية معروفة، وكان محاميا مرموقا، درس في لبنان بالمدارس الفرنسية الابتدائية والثانوية، وأكمل دراسته العليا في فرنسا. إن إرادة الحياة عند أهل لبنان قوية، ولا أغالي إذا قلت إنها لا تقهر أو تكسر، فهم يواجهون اليوم العدوان الإسرائيلي المتكرر، ولاسيما في الجنوب. وأذكر أن اللبنانيين يحرصون دائما على ارتياد مواسم الأعراس ابتداء من شهر يونيو/ حزيران إلى سبتمبر/ أيلول من كل عام. هذا ما عهدته أثناء عملي الدبلوماسي في بيروت خلال الأعوام 1977 إلى 1979. وأنا على يقين الآن أن أهل لبنان سيحتفلون بهذه المناسبات على نحو آخر، وذلك تمشيا مع ثقافة الحرب التي يعيشونها على رغم العدوان الإسرائيلي المستمر عليهم، وسيوفرون ما كانوا يدفعونه من أموال ومصاريف باهظة لقاعات الفنادق. كما أعتقد أنهم سيزيدون من إنجاب الأطفال كالفلسطينيين، لكي يعوضوا ضحايا الحرب الإسرائيلية في صفوف اللبنانيين الأبرياء. إن اللبنانيين قادرون على التعامل مع الحرب التي تمارسها «إسرائيل» ضدهم منذ إنشائها في 1948، وما جلبته من خراب ودمار ليس على لبنان وفلسطين وإنما أيضا على مصر وسورية والأردن وحتى العراق، حين غارت طائراتها على المفاعل النووي العراقي في يونيو 1981. حينها كنت في طهران، وكنا مدعوين على الغداء في منزل السفير الفرنسي، الذي قال إن هذا المفاعل من إنتاج فرنسي، ونحن نستغرب لعدم إيجاد مكان آمن له لدى الجهات العراقية المختصة تحميه من مثل هذه الغارات. تابعت خلال الاجتياح الإسرائيلي الأخير للجنوب أن الدمار كان أشد وطأة على الضاحية الجنوبية من بيروت، وأحياء حارة حريك التي اشتهرت بصناعة الأثاث الراقي. وزرتها مع رجل الأعمال البحريني عبدالله الوردي عند زيارته بيروت في العام 1977. كما تشمل أيضا برج البراجنة على طريق المطار، وكذلك حي الشياح المسلم، وحي عين الرمانة المسيحي، وكلها بؤر متفجرة بين مختلف الميليشيات اللبنانية. المرحوم الإمام موسى الصدر أطلق عليها «ضاحية المحرومين»، وأطلق عليها اليساريون «ضاحية البؤس»، أما حزب الله فأطلق عليها «ضاحية المستضعفين»، وهو ما يذكر بمؤسسة المستضعفين في إيران، التي انبثقت مع انتصار الثورة الإيرانية في فبراير/ شباط 1979.

في مطلع يناير/ كانون الثاني 1977 وصلت مطار بيروت لأداء عملي الدبلوماسي، وفي الطريق إلى العاصمة قرأت شعارات كثيرة على الجدران، ومن بينها (قوات الردع العربية رسل أمن ومحبة وسلام)، فيما أقيمت حواجز لقوات الردع في معظم الشوارع الكبيرة. كان أول عمل قمت به هو زيارة هذه الضاحية، وأذكر أن سائقي الفلسطيني في سفارة البحرين علي السخنيني، نسبة إلى مدينة سخنين بفلسطين، أخذني في جولة آنذاك إلى مخيم برج البراجنة الفلسطيني. وأخبرني أن أول الأفواج الفلسطينية المشردة التي أجبرتها «إسرائيل» على ترك ديارها وصلت هنا في العام 1950، وأنشأ هؤلاء اللاجئون برج البراجنة بأحيائه ومناطقه العشوائية. ومن ناحية أخرى حدثت هجرة شيعية كبيرة إلى هذا البرج، ابتداء من مايو/ أيار 1975 مع اندلاع شرارة الحرب الأهلية اللبنانية. كان هؤلاء المواطنون اللبنانيون يقطنون الضواحي الشرقية من لبنان ومن سهل البقاع. وعاش الطرفان (الفلسطيني واللبناني) في وئام وانسجام لسنين طويلة، وحدث زواج ومصاهرة بين الجانبين. بل لقي هؤلاء الفلسطينيون تعاطفا لا حصر له من السكان اللبنانيين الأصليين الذين قدروا مأساة هؤلاء اللاجئين، وكان يحدوهم الأمل في أن يرجع هؤلاء اللاجئون إلى ديارهم قريبا كما كان يمنيهم الإعلام العربي الرسمي. إلا أن هزيمة 1967 المنكرة والمباغتة للجيوش العربية، فجّرت الموقف المتفجر أصلا من جديد، إذ تبخرت أحلام العودة التي توقعوها ستحصل على يد الجيوش العربية التي طالما منتهم بالنصر القريب. ومن هنا انبثقت المقاومة الفلسطينية وأخذت طابعا عسكريا لدى الفلسطينيين المقيمين، ما أدى إلى ظهور قلق كبير لدى السكان اللبنانيين من شيعة ومسيحيين، واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن تثبت وجودها بالقوة، وبعد مجابهات واشتباكات مع السلطة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، خرجت الدولة اللبنانية منهزمة وأصبحت الضاحية الجنوبية تحت سلطة المقاومة الفلسطينية بلا منازع. وفي يناير 1976 عقدت قمة إسلامية فلسطينية في مكتب مفتي السنة الشيخ حسن خالد في بيروت، رفضت تدخل الجيش اللبناني وقدمت دعمها وتأييدها الكامل للثورة الفلسطينية. وأكد ذلك اتفاق القاهرة المبرم بين الفلسطينيين والدولة اللبنانية، وقد تسلمت نسخة من نص هذا الاتفاق من السفير السعودي في تلك الفترة علي الشاعر.

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً