لا أقول وداعا أبا جميل بل أقول إلى اللقاء في عالم آخر في جنات الخلد إنشاء الله، في الواقع إن لذهاب ألجمري الأثر البالغ على النفس على رغم من أنه كان الحاضر الغائب في السنوات الأخيرة من عمره حيث كان صابرا محتسبا في جنب الله.
كنت مترددا في الكتابة عن الشيخ الجمري على رغم قربي منه وعلى رغم الذكريات التي أثارها رحيله في مخيلتي فإنني أتذكر الشيخ في كل حركة في حياتي في المنزل/ السيارة/ الشارع/ المسجد، فقد بدأ الصلاة في الدير العام 1988م بعد أن كان يصلي قبلها في قرية سماهيج ولم ينقطع عن الصلاة في قرية الدير إلا بعد أن لازمه المرض.
لقد كان الشيخ الجمري مهتما وملتزما بالصلاة في قرية الدير وذلك للكثافة السكانية وللحضور الجماهيري في صلاة الجماعة الذي تتميز به قرية الدير بشكل خاص وهو السبب الذي جعله ينتقل للصلاة من قرية سماهيج إلى قرية الدير.
والسبب الآخر هو أن زيارته لقرية الدير هي بمثابة استراحة المحارب أو فترة استرخاء وفترة راحة من عناء السياسة فقد كان مجلس عائلة المرحوم الحاج أحمد الشيخ وخصوصا بحضور الحاج حسن الطعان « أبو كامل » يمتد لساعات طويلة من الحديث والمسامرة بعيدا عن هموم السياسة .
وربما نعود في حديث أخر عن الشيخ ألجمري وقرية الدير، أقول كنت مترددا في الحديث عن أبي جميل للسبب نفسه الذي ذكره الأب الأستاذ علي الشرقي الذي كان ملازما للشيخ في زيارته لقرية الدير حيث ذكر في صحيفة «الوسط» العدد 1575 السبت 30 ديسمبر/كانون الاول 2006م « لقد تصدى لهذا الموضوع الكثير من أدباء وشعراء هذا البلد وغيرهم...» .
وسأكتب في هذه العجالة موضوعا ربما لم يتطرق إليه الكثيرون وهو دور المرأة في حياة الشيخ الجمري، فقد ألف كتبا عن المرأة التي كان لها الدور الكبير والمؤثر في مسيرة حياته العلمية والمهنية والجهادية وفي صراعه أخيرا مع المرض.
عند الحديث عن أبي جميل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتجاهل أو أن نغض الطرف عن الحديث عن النصف الآخر للجمري ورفيقة دربه الصابرة المحتسبة أم محمد جميل.
وقد تكون أم جميل مصداقا لمقولة «وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة» فقد وقفت معه وآزرته في جميع الظروف وفي كل المحطات التي وقف فيها وفي كل السبل التي سلكها الشيخ ألجمري.
وعاشت معه في الوطن والهجرة ووقفت معه في السراء والضراء وفي الوقت نفسه فقد عانت وتحملت وصبرت في ظروف فترة التسعينات، وفي مرضه الأخير، في كل هذه المراحل والظروف الصعبة وقفت أم محمد جميل تساند الشيخ الجمري. ومن المميزات التي ينفرد بها الشيخ الجمري الوفاء والإخلاص والجزاء الحسن لرفيقة دربه ونصفه الأخر أم محمد جميل، فخلال أكثر من عشرة أعوام شاءت لي الظروف أن أكون قريبا من الشيخ الجمري، وسمعت الكثير من إشادته وافتخاره بمواقفها وصبرها والذي أكد أكثر من مرة أن لولا هي لما استطاع أن يصمد في هذا الطريق، فلها النصيب الأكبر في ذلك وهو الشيخ الوحيد من المتميزين بالعطاء من علماء الدين على مستوى البحرين و المنطقة، وكان مشفقا عليها من الضغط النفسي الذي عليها في فترة التسعينات آنذاك.
وخلال ترددي تلك الفترة على منزل الشيخ الجمري لمدة لا تقل عن عشر أعوام، لم أر أم جميل إلا رابطة الجأش وعزيزة النفس ودائما مبتسمة ومبدية البشاشة.
ومن عرف الشيخ ألجمري يلاحظ أن تلك الصفات كان يتميز بها كذلك بدرجة كبيرة حتى على مستوى حياته الشخصية فكثير من الصفات هي مشتركة بين الشريكين ما جعل زواجهما ناجحا ...ختاما صبرا أم محمد جميل وتأسياَ بخديجة والزهراء عليهما السلام.
علي راشد العشيري
العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ