العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ

اقتلوا الشعراء واحرقوا كتبهم

قبل فترة نشرت إحدى الصحف الأجنبية حادث وفاة شاعرة أفغانية اسمها نادية أنجومان (25 عاما) واكتسبت هذه الشاعرة شهرة واسعة في المشهد الإبداعي داخل أفغانستان، كما ذكرت هذه الصحف أن سبب وفاة هذه الشاعرة هو تأثرها بإصابات جراء اعتداء زوجها عليها بالضرب. ومن جانبها، أدانت المنظمات الحقوقية والأدبية هذا الحادث؛ لكونه أنموذجا للعنف ضد المرأة، كما ذكر درك مدينة هيرات (مسقط رأس الشاعرة المقتولة)، أن أنجومان بقيت فاقدة لوعيها لأيام بعد تعرضها للضرب المبرح على يد زوجها، ثم تركت الحياة بأكثر من وجع، ولسخرية القدر صدرت لهذه الشاعرة مجموعة شعرية واحدة أطلقت عليها اسم «زهرة مظلمة».

هذا الحادث جاء على خلفية دعوة بعض الأصدقاء (المجاهدين) إلى قتل الشعراء وإحراق كتبهم، والجميل في هذه الدعوة أنها غير صادرة عن تيار متطرف، بل يكمن وراءها مثقفون وأدباء لهم تجربتهم في الشعر والفكر والفلسفة أو الدين! والسبب الواضح الذي يعلنه هؤلاء هو «موت الشعر» ولا أعرف إذا ما كان حرف الشين في شعر مكسور أم مفتوح.

إن الحركات المطالبة بحرق الكتب حركات قديمة، فكلما جاءت أمة لعنت أختها، لكن أمرا ما ظل محيرا بالنسبة إلي، فأنا أقبل أن يموت الشعراء بداء القلب، أو بحمى تصيب روحهم، أو بفطريات تقتلع رؤوسهم، أو بقطع لسانهم على أنه زائدة دودية، لكن ما لا أفهمه حقا أن يموت شاعر بتهمة «موت الشعر»، يبدو أن الشعر كالزوجة في التراث الهندي القديم، الذي كان يصر على حرق الزوجة مع زوجها حين وفاته، ولكنه يتيح له البقاء على قيد الحياة حين موتها، بل يصبح رجلا تحق عليه المواساة من سائر نساء القبيلة.

لكن الشعر الآن لا يقرأه إلا الأنبياء أو الضالعون في العلم، حتى إن هذه الشريحة تسقط ما تعتقده على جسد هذا الشعر المسكين على أنه المعنى الذي يريده الشاعر، والبعض من القصائد لا يفهم منها شيء، والبعض الآخر كلام صفر. كل هذه الدعوات إلى قمع الشعر وإحراق كتب الضلال - آسف أقصد كتب الشعر - ما هي إلا ردة فعل، يجب علينا فهم أسبابها، هل سننتظر إلى حين يقف الناس حول كومة حطب يكون الشاعر داخلها ويهموا بحرقه بتهمة الشعوذة، حتى ندرك مدى الفجوة الكبيرة؟ هل يجب أن يقتل الشعراء كالسيدة الأفغانية لندعي أننا شهداء الشعر؟ صدقوني لم أعد أعرف... سأعتقد ربما لمجرد الاحتمال أن دعوة أصدقائي (المجاهدين) إلى حرق كتب الشعر وقتل الشعراء أصبحت الآن دعوة مشروعة!

علي الجلاوي

العدد 1588 - الأربعاء 10 يناير 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً