ما كنت أحب العودة إلى الكتابة عن مقتل الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وقد كتبت عنه في مقال الأسبوع الماضي ولكن تصريح مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي بأن الحفلة الراقصة التي أقيمت على جثمان صدام حسين كانت تقليدا عراقيا صرفا يجب ألا يثير الاستغراب، هذا القول الغريب دفعني بقوة إلى العودة مرة أخرى إلى قصة إعدام صدام وما تركته من آثار سيئة على المواطن المسلم في العالم كله على وجه التقريب.

قلت في مقالي السابق، وهاأنذا أكرر القول مرة أخرى، بعد أن ازددت يقينا إن التصرفات المقيتة والطائفية التي صاحبت عملية الإعدام باعدت كثيرا بين السنة والشيعة، كما أن التصريحات التي تبعت هذه العملية ومن كبار المسئولين في العراق وآخرهم الربيعي الذي كان فخورا بطريقة إعدام صدام والرقص على جثته ضربت اسفينا هائلا في العلاقة بين الطائفتين ليس في العراق وحده بل في كل منطقة توجد فيها هاتان الطائفتان.

الذي أعتقده أن الحقد الطائفي البغيض هو الذي جعل بعض حكام العراق ومن يقف معهم بل وبعض شيعة لبنان الذين كسبوا تعاطف الشعوب الإسلامية يقعون في الفخ الأميركي بل في الخازوق الأميركي، الذي أعتقد أن حكام العراق سيرقصون عليه وقد تكون نهايتهم أسوأ من نهاية ذاك الذي رقصوا على جثته، بل إن ذلك الرقص الذي فرحوا به سيكون وبالا على سواهم، هذا ما بدأت أراه!

عندما صرح الربيعي في لقائه مع شبكة «سي إن إن» بأن مسألة الرقص على جثة صدام تقليد عراقي، لأن العراقيين من عادتهم الرقص حول الجثة ابتهاجا، وتساءل باستنكار: أين المشكلة في ذلك؟ دفعني هذا القول إلى سؤال عدد من العراقيين (سنة وشيعة) فأنكروا هذا القول واعتبروه افتراء على الشعب العراقي، وقالوا إنه يندرج تحت الحقد الطائفي الذي تمارسه العصبة الحاكمة، كما ادعاء الربيعي بأن الأصوات التي كان يرددها الحاضرون هي صلاة يقومون بتأديتها! عجبي من هذه الصلاة ومن مفرداتها التي سمعها العالم كله!

أرجع إلى الخازوق الأميركي الذي أعده بذكاء مهندسو السياسة الأميركية لينفذوا من خلال صلب الطائفيين عليه مآربهم في إيران ولبنان ومن ثم في الطائفيين العراقيين ايا كانت اتجاهاتهم بعد أن تكون حاجة الأميركان قد تحققت ولم يعودوا بحاجة إليهم... وكما قلت فإن الحقد الطائفي أعمى عيون الربيعي ومن معه فوقعوا في الفخ الخازوقي بامتياز.

العلاقة بين الأميركان وإيران علاقة سيئة بسبب ملف إيران النووي، هذا الملف الذي ترفضه «إسرائيل» بقوة وتضغط على أميركا لإنهائه لأنها تخشى منه على مستقبلها ولأنها تريد أيضا أن تبقى القوة المهيمنة الوحيدة في المنطقة. ومن معرفة أن إيران وقفت مع الأميركان عند احتلالهم كلا من أفغانستان والعراق وقدمت لهم خدمات جليلة لكي يحققوا أهدافهم إلا أن هذه القضية تختلف عن موقفها الحالي في المسألة النووية.

كان لإيران مصلحة في سقوط العراق وأفغانستان، وكان لأميركا المصلحة ذاتها فتعاونت إيران مع أميركا لتحقيق الهدف المشترك بينهما، ولكن مصالح الدولتين في المسألة النووية كانت متنافرة تماما، ومن هنا كان لابد للأميركان أن يفكروا بطريقة تجعلهم يحظون بالصمت العربي والإسلامي إذا ما فكروا في توجيه ضربة عسكرية لإيران... وكان مقتل صدام بالطريقة التي تم بها وما تبعه من تفاعلات هو الخازوق الأميركي الذي استخدموه وألبسوه للربيعي ومن معه.

للأميركان أيضا مصلحة في إنهاء حزب الله، بل ومنع كل أنواع المقاومة في لبنان وفلسطين، فكيف يمكنهم تحقيق مآربهم وهم يعرفون شعبية هذا الحزب في العالم الإسلامي كله؟ مرة أخرى أدركوا أن صدام هو الذي سيحقق لهم هذا الهدف بعد موته، وكان الحقد الطائفي الذي تمكن من نفوس البعض هو الوسيلة التي حقق بها الأميركان مآربهم، وهكذا وجدنا أن الخازوق مازال متمكنا من الراقصين على جثة صدام وأن نزيفهم يتزايد من كل مكان. ماذا فعل الأميركان؟ وكيف حققوا أهدافهم؟ الكل يعرف أن الأميركان هم كل شيء في العراق، وأن الحكومة هناك لا شيء، وأن ما جرى لصدام كان معروفا لديهم وكان يحظى بموافقتهم، لكن الأميركان - بذكاء - نفوا كل شيء وألصقوا المساوئ كلها بالمالكي ومن معه وبلع المالكي الطعم (الخازوق) فقتل نفسه وقتل آخرين معه. الأميركان قالوا إنهم رفضوا قتل صدام أول أيام العيد لأنه مناسبة دينية عند المسلمين، وإن القوانين ترفض قتل أحد في مثل هذا اليوم، لكنهم قالوا إن المالكي أقنعهم بأن مراجع الدين في النجف أصدروا فتوى بأنه لا مانع في شرعهم من قتل صدام يوم العيد، وقالوا إنه أجرى هذه المكالمة أمامهم... وقد قيل كثيرا إن بعض المراجع الدينية هم من اصدر هذه الفتوى، ومعروف أن هذه الفتوى صدرت بعد منتصف الليل! ولك أن تتخيل كيف سينظر السنة إلى هذه الفتوى أصحابها وملابساتها! وقالوا إن الشيعة يقولون إن يوم إعدام صدام لا يعد عيدا عندهم بل هو عيد السنة وحدهم، فليس هناك ما يمنع من قتله في هذا اليوم الذي ليس هو عيد الشيعة... مرة أخرى، كيف سينظر السنة في العالم كله إلى مثل هذا القول ودلالاته البغيضة؟

بسام الحسيني أحد مساعدي المالكي في ترتيبات شنق صدام، قال لهيئة الإذاعة البريطانية إن شنق صدام - يوم السبت - هدية ثمينة للمرجعية الدينية الشيعية وللشعب العراقي... مرة أخرى، كيف يمكن النظر إلى مثل هذا القول ودلالاته الطائفية؟

دعونا نتأمل بعض ردود الفعل على تلك المشاهد السيئة... اللافت للنظر أن عددا كبيرا من الناقمين على ما شاهدوه أو سمعوه نسبوا لإيران جزءا كبيرا من تلك الأفعال المشينة... قبل هذا الحادث لم نكن نسمع - إلا نادرا - من يتحدث عن صفوية إيران وحقدها الهائل على المسلمين السنة، أما الآن فقد أصبح الحديث عنها حتى من مجموعة من العراقيين أمرا شائعا... وهذا هدف تحقق للأميركان وهو مهم لهم من دون شك. معظم السياسيين العرب والمسلمين، وكذلك معظم السياسيين غيرهم أظهروا اشمئزازا أو انتقادا للطريقة التي قتل بها صدام وكذلك طريقة محاكمته... وهذا هدف آخر تحقق للأميركان.

أن يبارك علماء الدين هذه الأفعال - كما يقال وبكثرة - فهذا مدعاة لشحن النفوس ضد هؤلاء، فإذا كان العلماء يقومون بمثل هذه الأفعال فكيف سيكون غيرهم؟ إذا، الشحن الطائفي مستمر والأميركان سعداء بهذا الفعل! في رأي الكثيرين، إن ما يقال عن طائفية بعض العراقيين وحقدهم ليس موقوفا عليهم بل يشاطرهم فيه الإيرانيون وحزب الله، وبالتالي فلماذا يصطف المسلمون السنة معهم في أي موقف ماداموا يحملون كل هذا الحقد على السنة؟! وهنا يتحقق للأميركان الهدف الذي كانوا ينتظرونه طويلا، فقد خلا لهم الجو. ومن مظاهر عدم حكمة القوم نشرهم الطريقة التي أعدم بها صدام، فقد أظهرتهم صغارا وأظهرته كبيرا بينهم، هذه الصور جعلت صدام يحظى بمكانة أعتقد لو أنه كان حيا وبذل كل أموال العراق للحصول عليها لعجز عن ذلك وبقي في نفوس الناس طاغية، لكنهم جعلوه عظيما... أرأيتم كيف تفعل الطائفية في نفوس أصحابها؟

والغريب أن هؤلاء الذين يؤججون المواقف بتصريحاتهم وأفعالهم سادرون في سياساتهم، والمرجح أن الخازوق الأميركي سيبدأ في تمزيقهم، والمؤكد أن الله إذا أراد أمرا هيّأ أسبابه.