العدد 1587 - الثلثاء 09 يناير 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1427هـ

لبنان واختلاف قواعد اللعبة الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ينتظر اللبنانيون انعقاد مؤتمر «باريس 3» الذي تستقبل فرنسا جلساته في 25 يناير/ كانون الثاني الجاري برعاية عربية وإشراف أوروبي ودعم خفي من الولايات المتحدة. المؤتمر هو الثالث من نوعه لدعم لبنان. ووظيفته تقديم المساعدات المالية والقروض الميسرة وتشجيع الاستثمارات حتى تستطيع الدولة الاستمرار وسط مصاعب تحيط بهذا البلد الصغير. المشكلة في هذا المؤتمر أنه يأتي في ظروف دقيقة تعصف بالدولة من الداخل وتهدد كيانها من الخارج. ولذلك لا تتوقع المصادر المتابعة أن يحقق المؤتمر النجاحات المطلوبة نظرا إلى تعقيدات الأزمة وفشل الدولة في فصل عناصرها عن المحيط واحتواء تلك التجاذبات الأهلية التي وصلت إلى شفير الانفجار.

الأزمة إذا ليست مالية ولا تقتصر على الاقتصاد فقط وإنما امتدت لتطاول بنية لبنان التكوينية وما يتفرع عنها من خلل ديموغرافي (سكاني) يمس توازن الطوائف التقليدي في بلد محدود الإمكانات والثروات ولا يملك مصادر دخل من الخامات الطبيعية.

مشكلات لبنان تتجاوز حدود «باريس 3» لأنها انتقلت من طور الإنفاق والاستثمار، والصادرات والواردات، إلى طور يطاول البنية السكانية وما يحيط بها من ضغوط إقليمية واعتداءات إسرائيلية متكررة. فالنهوض الاقتصادي لا يمكن تصور حصوله من دون إعادة نظر في الموقع والدور والوظيفة التقليدية للبنان. فهذا البلد مر في تجارب سياسية قاسية خلال العقود الثلاثة الأخيرة أنهكت قواه الاقتصادية وعطلت قدراته الإنتاجية وأبطلت محاولات النهوض بسبب تكرار الحروب الإسرائيلية على بناه التحتية ومرافقه العامة (مطار، مرفأ، محطات كهرباء وغيرها).

المشكلات إذا سياسية في جوهرها وتتصل بأزمات منطقة قلقة تعيش حالات انتظار ويدفع لبنان ثمنها من خلال وضعه في واجهة الصراع مع الأطماع الإسرائيلية وتهرب تل أبيب من تنفيذ القرارات الدولية الداعية إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في دولة.

كل هذه المشكلات السياسية تتجاوز حدود المساعدات المالية والدعم الاقتصادي لأنها تتصل بمناخات دولية وفضاءات إقليمية تعصف بالبلد عند كل منعطف أو نتيجة تغير قواعد اللعبة.

ومجرد قراءة سريعة لما حصل في البلد الصغير خلال السنوات الست الماضية تكشف مقدار ذاك الضغط الهائل الذي تعرض له ولايزال منذ العام 2000.

في ذاك العام نجحت المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله في طرد الاحتلال الإسرائيلي وهو إنجاز تاريخي حققه البلد الصغير بعد معاناة دامت قرابة 18 سنة. وشكل طرد الاحتلال مناسبة لتحقيق نهوض اقتصادي نتيجة ارتفاع الاستثمارات العربية. إلا أن تل أبيب اعتبرت انسحابها خطوة للهجوم والاقتصاص والانتقام. فهي انسحبت لرفع غطاء القرار الدولي 425 عن المقاومة معتبرة أن خروجها أعطاها صلاحيات دولية لمعاودة العدوان عند حصول أي مخالفة أو خرق للحدود الفاصلة بين البلدين.

أدى طرد العدوان إلى تغيير المعادلة الدولية وبدأت تل أبيب باستخدام انسحابها للضغط على الدولة مطالبة إياها بسحب سلاح حزب الله وإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب والإشارة إلى عدم شرعية الوجود السوري في اعتبار أن مبررات وجوده الاستراتيجي انتفت أسبابها.

اختلاف قواعد اللعبة صاحبه رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد بعد مرور فترة وجيزة على تحرير الجنوب اللبناني. وشكل هذا الغياب بداية خلل بسبب مرور دمشق بمرحلة انتقالية ونتيجة رحيل المؤسس السياسي لتلك الاستراتيجية التي اعتمدتها سورية نحو 28 سنة.

هجمات سبتمبر

إلا أن المشكلة ازدادت تعقيدا حين حصلت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وشكلت تلك الاعتداءات مناسبة للهجوم الأميركي على المنطقة تحت ذريعة مكافحة «شبكات الإرهاب». ولجأت تل أبيب إلى استغلال الهجمات لتجديد تحالفها مع واشنطن لمواجهة كل حركات التحرر فأقدمت على وضع حزب الله وحماس وحركة الجهاد وحتى فتح وياسر عرفات في لائحة المنظمات الإرهابية إلى جانب طالبان والقاعدة.

وشكلت هذه الخطوة بداية جديدة في سياسة تعديل قواعد اللعبة الأميركية - الإسرائيلية وأعطت فرصة لتل أبيب للبحث عن ذريعة للعدوان. وتطورت الخطوة حين أقدمت الولايات المتحدة على غزو أفغانستان في نهاية 2001 ثم احتلت العراق في 2003.

اجتياح بغداد أسهم بدوره في تغيير قواعد اللعبة واشتدت الضغوط على دمشق وبيروت لمراجعة المواقف المتصلة بالسلاح والوجود السوري. وتشكل في تلك الفترة ما يشبه اللوبي الأميركي - الصهيوني الذي أخذ يهدد يوميا بإثارة الفوضى الأمنية وزعزعة الاستقرار وتغيير خريطة «الشرق الأوسط» وتعديل سياسات الأنظمة.

استمر التجاذب الدولي - الإقليمي في سماء لبنان إلى حين اقتراب موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وحصلت آنذاك إشكالية دستورية استغلتها الدول الكبرى لإصدار القرار 1559 في العام 2004. وشكل القرار كارثة سياسية للبلد الصغير لأنه كان خطوة أولى نحو تدويل أزمة لبنان ووضعه تحت الرقابة اليومية.

ومنذ تلك الفترة هبت العواصف عليه وبات عرضة للتجاذب الدولي والإقليمي إلى أن وقعت جريمة اغتيال رفيق الحريري في فبراير/ شباط 2005. وكانت تلك الواقعة بداية تغيير جديد في قواعد اللعبة. وشهد البلد أكبر مظاهرات في تاريخه تراوحت بين «8 آذار» و «14 آذار» وانتهت باتخاذ دمشق ذاك القرار الاستراتيجي فأعلنت عن سحب قواتها مفوتة بذلك فرصة العدوان عليها.

الانسحاب السوري من لبنان ولد فراغات أمنية وزعزع استقرار البلد بسبب انقسام الأطياف والطوائف على البدائل. وحتى الآن لم تنجح بلاد الأرز في الخروج من عنق الزجاجة بسبب الاختلاف على الكثير من القضايا المحلية المترافقة مع ضغوط دولية على الدولة تطالبها بتنفيذ ما تبقى من فقرات في القرار 1559.

ووسط التجاذب الأهلي شنت حكومة إيهود أولمرت حربها العدوانية بغطاء أميركي في 12 يوليو/ تموز 2006 مستفيدة من ذريعة خطف الجنديين للانتقام من هزيمتها في العام 2000. إلا أن العدوان المدمر الذي استمر نحو 34 يوما أسهم بدوره في تعديل قواعد اللعبة، إذ أنتج القرار الدولي 1701 وأبعد المقاومة عن الجنوب وأفسح المجال لنشر الجيش على الحدود الدولية. ولكن أخطر ما أسهم به العدوان هو زعزعة استقرار البلد وإضعاف الدولة وتهديد صيغة الكيان. وهذا لايزال ماثلا في الساحات في وقت تتوجه الحكومة إلى باريس طلبا للعون.

اللبنانيون الآن ينتظرون ذاك المؤتمر الدولي لمساعدة البلد على النهوض. إلا أن المشكلة البنيوية تجاوزت حدود المساعدات المالية والدعم الاقتصادي والاستثماري. فالبلد الآن يتعرض لتجاذبات أهلية يمكن أن تودي بصيغته في حال استمر الاستنفار المذهبي والطائفي. وهذا الاستقطاب الداخلي ليس بعيدا عن تلك المناخات الدولية التي تحيط بالمنطقة من العراق إلى فلسطين وكان سببها الأساس تغيير قواعد اللعبة واستخدام الأمم المتحدة مظلة دولية للضغط على القوى الإقليمية.

لبنان كان ولايزال ضحية تلك المتغيرات وهو تعرض خلال ست سنوات إلى ضغوط مختلفة بدأت في العام 2000 بطرد الاحتلال. وفي العام 2001 بهجمات سبتمبر. وفي العام 2003 بغزو العراق. وفي العام 2004 بصدور القرار 1559 بذريعة التمديد لرئيس الجمهورية. وفي العام 2005 باغتيال الرئيس الحريري وما صدر بشأن الجريمة من قرارات متكررة دعت في النهاية إلى تشكيل «محكمة ذات طابع دولي». وفي العام 2006 بالعدوان الأميركي - الإسرائيلي وصدور القرار الدولي 1701. كل هذا حصل في ست سنوات ولبنان لايزال يدور حول نفسه. فالآن يطلب منه تنفيذ قرارات دولية في ظروف إقليمية مشحونة بالقلق والتوتر وربما تغيير قواعد اللعبة من جديد.

مؤتمر «باريس 3» مفيد، ولكنه مجرد مسكنات مؤقتة لمعالجة مشكلات مزمنة أخذت تمتد من قطاعها المالي - الاقتصادي إلى أطياف أهلية غير قادرة على وقف انفعالات طائفية ومذهبية تهدد الكيان بالتقويض إذا لم تسارع الدول العربية إلى تحصينه وحمايته من سياسات دولية تضغط عليه بقوة لا يقدر أي بلد على احتمال تداعياتها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1587 - الثلثاء 09 يناير 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً