العمل التطوعي ولاشك من أسمى الأعمال هدفا وروحا ووسيلة وتفصيلا لأنه مبني على التبرؤ من الأنانية والمصلحة الخاصة وترجيح كفة الخير العام ومصلحة الجماعة، وعندما يكون هذا العمل لأجل حماية البيئة يزداد سموا وتجردا من كل أنانية فهو يدور في فلك مفاهيم عامة على غرار «الثروات الطبيعية إرث الأجداد للأحفاد»، و»حماية البيئة مسئولية الجميع»، و»كلنا في سفينة واحدة»، و»الثروات الطبيعية ملك الجميع».
المتطوع لأجل حماية البيئة يواجه كل يوم تحديات لا يواجهها غيره، فهو يدافع عن حق الآخرين (الجميع) وحيدا من دون سند ويجابه بالصد بل وبالاتهامات والحرب من قبل كل الذين ليس من مصلحتهم حماية البيئة (أو هكذا يظنون لجهلهم أو استكبارهم متناسين أن تدمير البيئة وتدمير الموائل يعود ضرره على الجميع أن عاجلا أو آجلا).
يجابه من قبل المستثمر الذي يريد تطبيق مشروع على موقع بيئي حساس وحصل على كل التصريحات المطلوبة وأوشك على البدء في مشروعه أو بدأ ليسمع المتطوع البيئي يقول إن ذلك خطأ ويجب ألا يتم وإن أضراره البيئية كبيرة على الكائنات الحية في تلك المنطقة وعلى الموائل المهمة هناك وعلى التوازن الحيوي وبالتالي على الإنسان نفسه فضلا عن الآثار السلبية تراثيا أو اجتماعيا أو نفسيا من جراء تدمير مزارع معمرة أو سواحل بحرية عريقة ضاربة في عمق تاريخ الإنسان البحريني وذكرياته وكيانه.
والشركة التي تطبق المشروع ترى في المتطوع البيئي العثرة في طريق إكمال مشروعها والحصول على الأرباح المالية المطلوبة والتقليل من الخسائر والكلف ولا تريد أن تسمع أن ما تفعله هو على حساب البيئة وأن تضييع الثروات الطبيعية هو اعتداء على المال العام وحق الناس في بيئة جميلة والتمتع ببحارهم ومرجانهم ولؤلؤهم وعيونهم وخلجانهم، وخصوصا عندما تكون الجهة الرسمية المسئولة عن حماية البيئة قد أعطت لهذه الشركة التصريح المطلوب ولم تقل لها ما قاله المتطوع البيئي.
ثم تأتي سلسلة من الشركاء في المشروع كالشركة الأستثمارية (البيئية) والشركات الهندسية والإنشائية وغيرها من المتعاقد معهم لانجاز المشروع، كل لديه مصلحة في إنهاء المشروع بأقل خسائر وأكبر أرباح، وكل ينظر إلى المتطوع البيئي و»الضمير البيئي» الذي يطالب به على أنه مضيعة للوقت وتعطيل للأعمال وربما «خصم وعدو».
لا ننسى دور المؤسسة المعنية من مؤسسات الدولة التي أعطت اذونات العمل في المشروع، وبدا للناس فيما بعد أن ما يقوله المتطوع البيئي منطقي وصحيح وتساءلوا كيف أعطي المشروع الأذونات؟
الواقع أن الأخيرة هي التحدي الأكبر في وجه المتطوع البيئي، ذلك أن الأذونات التي أعطتها لمشروع مخرب للموائل مدمر للبيئية هي السلاح الذي يشهره المستثمر (والسلسلة التي تليه من منفذي المشروع)، في وجه المتطوع البيئي في سؤال تهكمي: «هل لديك خبراء و أجهزة وإمكانات أفضل مما لدى المؤسسة المعنية؟». ويكون المتطوع البيئي بين خيارين أحلاهما مر. الأول أن يدعم المؤسسة المعنية (وهي ليست بحاجة لدعمه أصلا لتفعل ما تريد) بالصمت متى ذكر اسمها والتسليم أن القرار صحيح مادامت قد وافقت عليه (وهذه خيانة للمنطق وأمانة العلم واستسلام أمام الكثرة والوضع القائم)، والخيار الآخر أن يعلن أن قرار المؤسسة المعنية خاطئ لا لقلة أجهزتها وإمكاناتها وخبرائها، لكن لضعف أو عجز أو عدم رغبة الأفراد المسئولين فيها عن القيام بواجبهم وأداء ما عليهم وتحمل مسئوليتهم أمام الله وأمام الناس وأمام الدولة التي استأمنتهم على هذا الجانب المهم «حماية البيئة».
«أين مختبراتك وأين أبحاثك العلمية الموثقة؟».
من أشهر العبارات التي يواجه بها المتطوع البيئي وأكثرها سذاجة وجهلا!
المتطوع البيئي لو كانت لدية مؤسسات بحثية ومختبرات وخبراء تدفع لهم مرتبا شهريا لوجب أن يكون من يدفع تلك الرواتب هو «الدولة» ولأصبح المتطوع البيئي «المؤسسة المعنية» ضمن مؤسسات الدولة!
المتطوع البيئي يبذل من جهده وأعصابه ووقته وحلمه بل وحاله أيضا لأجل حماية البيئة ما كان يجب على الموظف وبالتأكيد المسئول في المؤسسة المعنية أن يبذله ليبرئ ذمته أمام الله وأمام من استأمنه ووضعه في ذلك الموقع.
لذلك، مرة أخرى متجددة أكرر ما قلته قبل أكثر من ست سنوات: هدفنا هو خلق ضمير بيئي لدى كل إنسان على هذه الأرض الطيبة يعينه في اتخاذ قراراته ليقلل من آثاره السلبية على البيئة.
فالأزمة البيئية الأولى هي أزمة ضمير...
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1587 - الثلثاء 09 يناير 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1427هـ